هو أبو يحيى المرحوم السيد محمد أمين الصافي طاب ثراه من أعيان فقهاء النجف ومشاهير علمائها ومن الثقات الذين يقتدى بهم ويطمئن الرأي العام إليهم في أخذ الفتيا وكان فقيهاً جليلاً عالماً متبحراً وشاعراً ومحدثاً له يد طولى في علمي الفقه والأصول وقد آثر رحمه الله العزلة والابتعاد عن الزعامة الدينية رغم توفر جميع مؤهلاتها فيه لشعوره بخطر المسؤولية الأخروية فيها وقد أضاف لأمجاد أسرته العلمية أمجاداً جديدة وزاد في رفعتها وقد ترجمه صاحب كتاب أعيان الشيعة فقال ((السيد محمد أمين بن السيد علي آل السيد الصافي الموسوي النجفي أديب ولد في النجف ونشأ بها على أفاضل أسرته وأعلامها فأخذ المقدمات وحضر على العلماء في الفقه والأصول وله آثار في العلم والأدب منها (الوجيز في أحوال آل السيد عبد العزيز) و (وحي الأمين) وله الرواية عن جماعة منهم المؤلف عفي عنه وترجمه صاحب معجم شعراء الحسين الشيخ الهلالي بقوله:
((هو السيد محمد أمين السيد علي آل السيد الصافي. ولد في النجف الأشرف سنة 1311 هـ ونشأ بها شأن سائر أفراد أسرته العلمية)).
كانت دراسة سيدنا المترجم في جامعة النجف الدينية. فقد درس السطوح على الطريقة المتعارفة اليوم وهي طريقة الحلقات والتي لاتزال تؤدي دوراً هاماً في مضمار التحصيل العلمي في هذه الجامعة وغيرها. أما دراسته العالية في الفقه والأصول فقد كانت على يد الآيتين الحجتين الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني وقد اجيز منهما كما ان له اجازة اجتهاد من الحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني قدس سره.
تلامذته:
تخرج على يد الفقيد مجموعة من أفاضل العصر ممن يشغلون اليوم مناصب روحية هامة في النجف الأشرف وغيرها في البحرين ولبنان من أعيان الفضلاء.
يقول الدكتور علي الوردي في الجزء الخامس من كتابه الموسوم (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق)ما يلي: اتفقت الآراء على أن أول من نادى بالثورة المسلحة في الفرات الأوسط هو السيد علوان الياسري وان أول من أيده في ذلك هو السيد محمد رضا الصافي ويحدثنا جعفر الخليلي عن ذلك فيقول ما نصه ((لقد لقي المرحوم السيد محمد رضا الصافي المرحوم السيد علوان الياسري في أبي صخير وكان الصافي يتردد عليه لمعالجة شؤون بساتين له هناك وألفى السيد علوان غاضباً يكاد ينفجر من الغيظ ولم يكن السبب غير أن السيد علوان شهد بعينيه كيف أهان حاكم أبي صخير الإنكليزي العسكري رجلاً من الوجوه حين طرده من أمامه ذليلاً فخرج السيد علوان وهو أشد ما يكون انزعاجاً وقد أفاض للسيد محمد رضا بأسباب انفعاله وأسمعه الشيء الكثير من كرهه للإنكليز وحكومتهم فبادله السيد محمد رضا الرأي وتحدثا طويلاً وتطرقا في أحاديثهما إلى أن الخلاص من الإنكليز لا يتم الا بالعمل وإن الاهتداء إلى كيفية النهوض بالعمل لا يتم في هذا الموقف على قارعة الطريق وافترقا على أن يجتمعا في النجف وعلى أن يتذاكرا ملياً مع الجماعة الآخرين لإيجاد المنفذ الذي يلجون منه للحرية ويتخلصون من هذا الكابوس الجاثم على صدورهم)) ثم يستطرد الدكتور الوردي فيقول لدينا رواية أخرى عن هذا الالتقاء الذي جرى في أبي صخير بين السيد علوان والسيد محمد رضا الصافي وجدتها في مذكرات السيد محمد أمين الصافي وهو أخو السيد محمد رضا الصافي ولابد أنه سمعها من أخيه وهذا نصها. حينما اشتد ضغط الإنكليز في أيام الاحتلال وكان السيد محمد رضا تضطره أملاكه الى الاتصال بالحكومة في أبي صخير والديوانية وكان يلتقي هناك معظم زعماء الفرات الأوسط والكل منهم متأثر من الوضع السيء والمعاملة الخشنة التي تعاملهم بها حكومة الاحتلال مما لم يألفها العرب وكان ممن اجتمع به في أبي صخير السيد علوان الياسري وكانا كلاهما متأثرين أشد التأثر من الوضع السيء الذي أهان كرامة الزعماء وقد ذكر السيد محمد رضا للسيد علوان ان الوقت قد حان للعمل والتضحية لاستخلاص البلاد من الانكليز فراقت الفكرة للسيد علوان وتضامنا هناك على العمل وبعدها جاء السيد علوان الى النجف وقصد السيد محمد رضا في داره وبعد لقائهما اتفقا على توسعة الفكرة ونشر الحركة واقناع من يجدون فيه اللياقة وأول من وقع عليه اختيارهم الحجة الشيخ عبد الكريم الجزائري فدعي إلى دار السيد محمد رضا واجتمع إليهم سوية وبعد مناقشة الأمر من جميع نواحيه اتفق معهم الشيخ عبد الكريم الجزائري وهكذا نبتت الفكرة وأحكمت الدعاية فابتدأت المطالبة السلمية ثم الدموية ثم الثورة.
ويشير الشاعر السياسي الشهير الأستاذ محمد حسين فرج الله إلى دور فقيدنا الراحل في التهيئة للثورة من قصيدة له يخاطب فيها ابنه المرحوم السيد حسين الصافي بقوله:
يا ابن الذي أول نبراس لجيلنا وقد |
وأيقظ العزم وكان العزم في نوم رقد |
ونافح السكسون في حرب سعيرها اتقد |
ويمضي الدكتور الوردي الى القول لا ندري على وجه اليقين متى حدث الالتقاء بين الصافي والياسري ويرجع ظني أنه حدث في ربيع 1919 وقد أخذ الياسري منذ ذلك الحين يبث الدعوة بين شيوخ العشائر وصارت الدعوة تنمو بمرور الأيام ثم يمضي الدكتور الوردي فيقول: بعد ذلك عقد اجتماع سري في كربلاء في دار السيد أبو القاسم الكاشاني الملاصقة للصحن الحسيني وقد حضر الاجتماع السيد نور الياسري وجعفر أبو التمن وعبد الكريم الجزائري وعلوان الياسري وكاطع العوادي ومحسن أبو طبيخ وهادي زوين ومحمد رضا الصافي وعبد الواحد الحاج سكر وشعلان الجبر ومجبل الفرعون وعبادي الحسين ومرزوك العواد وشعلان آل عطية وسعدون الرسن وعلوان الحاج سعدون وهبة الدين الشهرستاني وعبد الوهاب الوهاب وحسين القزويني وعمر علوان ومهدي القنبر وطليفح الحسون ورشيد المسرهد وعبد الكريم العواد وغيرهم وقد تداول المجتمعون في أمر القيام بالثورة المسلحة ومفاتحة الإمام الشيرازي بذلك وبعد مفاتحة الإمام الشيرازي بذلك وبعد مفاتحته بوفد منهم قال ((ان الحمل ثقيل وأخشى أن لا تكون للعشائر قابلية المحاربة مع الجيوش المحتلة)) فأكدوا له أن العشائر لها المقدرة التامة على
القيام بالثورة فقال لهم أخشى أن يختل النظام ويفقد الأمن فتكون البلاد في فوضى وأنتم تعلمون أن حفظ الأمن أهم من الثورة بل أوجب منها فأجابوه بأنهم قادرون على حفظ الأمن والنظام وأن الثورة لا بد منها وهنا قال لهم (( إذا كانت هذه نياتكم وهذه تعهداتكم فالله في عونكم)) وعندما خرجوا تبعهم ابنه محمد رضا وأوضح لهم مؤدى قول والده هو افتاء بالثورة على الانكليز وفي هذه الليلة عقد اجتماع آخر في دار السيد نور الياسري في كربلاء وأعقبه توجه الحاضرين الى ضريح الحسين (ع) حيث أقسموا بالقرآن على انجاز ما اتفقوا عليه ومن حنث بيمينه فهو ضال آثم وهكذا بدأت الثورة. أقول هذا بعض من أسباب تهيئته للثورة رحمه الله وعند نهاية الثورة واستسلام مدينة النجف للإنكليز ألقي القبض على سيدنا المترجم وسيق إلى سجن الكوفة ثم إلى سجن الحلة ثم حكم عليه بالإعدام بعد محاكمة صورية ثم استبدل الحكم الى السجن المؤبد وعند تشكيل أول حكومة عراقية أطلق سراحه من السجن وفرضت عليه الاقامة الإجبارية في الحلة مدة أربعة أشهر ثم رفعت عنه وعاد الى النجف وبقي مناضلاً عن شعبه وعند تأسيس حزب الإخاء الوطني كان أحد أعضائه المؤسسين ومن أعضاء الهيئة الادارية كما ترأس هيئته في بعض الأحيان وقد عرضت عليه المناصب العليا في الدولة فأباها جميعها ثم عرضت عليه سدانة الحرم العلوي أيام حكومة ياسين الهاشمي فرفضها أيضاً مفضلاً الخدمة العامة في صفوف المعارضة حتى حدثت ثورة مايس 1941 فكان من أبرز أنصارها ولولب الاسناد لها في النجف وفي صفوف العلماء وأوساط المرجعية الذي تجلى في تبني المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري للثورة ودعمها والإفتاء بوجوب نصرتها وبعد فشل الثورة وعودة عبد الاله الى الحكم وإعدام الضباط الشهداء يونس السبعاوي ورفاقه لقي سيدنا صنوف الأذى وهو يعاني من مرضه العضال.
نشأته العلمية:
وجه اليه رحمه الله أحد أعيان أهل الفضل من تلامذته سؤالا عن العوامل التي أثرت في تكوين حياته العلمية حيث كان يكتب ترجمة له وقد عثرت على إجابته له بخطه الشريف مع ما خلفه سماحته من آثار وفيما يلي نصها: (( لقد أثرت في تكوين حياتي العلمية جملة مؤثرات أهمها البيت والمحيط وكثرة المطالعة والتدريس فقد ولدت ونشأت في عائلة علمية تحب العلم وتقدسه وتتمجد بمجد الأسرة وكرامتها ومكانتها العلمية منذ عهد مؤسس مجدها العلمي المرحوم الامام السيد عبد العزيز قدس سره فإنها لم تخل من ذلك العهد الى عهد أبي رحمه الله من علماء بارزين لهم مكانتهم وآثارهم الخالدة وكان أبي يومئذ زعيم الأسرة وحامل لواء كرامتها العلمية وكانت والدتي من الفاضلات الصالحات وهي كريمة فقيه عصره ومرجع الامامية الامام الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام. وكانت رحمها الله تحبب إليّ العلم وتغرسه في نفسي منذ طفولتي وتحبذ والدي أن ينمي في ذلك الغرس الزكي ويلزمني بحفظ ما تقوى عقليتي على احتماله في حينه من الشعر الحماسي والحكمي ولم أكن اذ ذاك أفصح ومما أذكره من الشعر الذي استطرفه لي رحمه الله وحفظته هو أبيات المتنبي:
أي محل أرتقي | أي عظيم أتقي | |
وكلما قد خلق الله | وما لم يخلق | |
محتقر في همتي | كشعرة في مفرق |
هذا شأن أبي ووالدتي أما المحيط فمحيطي في البيت محيط علمي بحت لأنه يتكون من المرحوم عمي السيد محمد وأبنائه وأخوتي وهم على تفاوتهم في الفضيلة يوجه كبيرهم صغيرهم لذلك الهدف السامي وكنا نعيش في بيت واحد أما محيطي خارج البيت فقد كان والدي يصحبني منذ ترعرعت الى مجالس تدريسه والى المجالس التي يرتادها وهي حافلة بأهل العلم والتقوى ومكارم الأخلاق والآداب والفضيلة فنشأت ونشأت معي ميل شديد لتحصيل العلم كما أثرت بي كثرة المطالعة ولا أبالغ اذا قلت ان مطالعاتي في أيامي الاولى كانت متواصلة بحيث لا يتخللها الا النوم وضروريات الحياة وقد تمر علي بعض الليالي التي لا أنام فيها الى الصباح كما اني مدين للتدريس في حياتي العلمية كأهم عامل فيها لأن التدريس يحتم علي التحضير والاستعداد للمناقشة الحرة ودفع الشبهات والايرادات وهذا يستدعي التعمق والتحقيق بجميع نواحيه وقد اشتغلت بالتدريس حين اشتغالي بالدراسة لأني كثيراً ما كنت أدرس في آخر الكتاب وأدرس في أوله)).
أساتذته:
يقول رحمه الله عندما ترعرعت ابتدأت حياتي العلمية وكان سني إذ ذاك لا يتجاوز العاشرة فدرست القواعد العربية عند المرحوم السيد باقر السيد هادي آل معز القزويني وهو أول أستاذ درست عليه وكان فاضلاً أديباً شاعراً وقد استفدت منه كثيراً بسبب اهتمامه بي لأن لأسرته بأسرتنا صحبة قديمة وفي سنة 1322هـ توفى أبي وكادت صدمة وفاته تختم حياتي العلمية لولا أن يتداركها الله بعطف أخي المرحوم السيد محمد رضا فانه اجتهد أن يكون بديلاً عن والدي مما كفل لي التفرغ للتحصيل وبعد فراغي من القواعد العربية درست على عدة أساتذة منهم المرحوم السيد محمد تقي البغدادي والمرحوم الشيخ محمد حسين الشيرازي وبعد انتهائي من دراسة السطوح حضرت عند المرحوم شيخ الشريعة الأصبهاني قليلاً وأهم ما درست في الفقه والأصول عند المرحومين الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني.
منزلته العلمية:
لقد أجيز رحمه الله من أساتذته المرحومين الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني كما أجيز إجازتي رواية من المرحوم السيد محسن الأمين العاملي والشيخ آغا بزرك الطهراني ويعبر عنه أستاذه النائيني فيصفه بالعالم العامل والزكي الكامل كما يخاطبه أستاذه السيد أبو الحسن بقوله العالم العامل والثقة العادل والتقي الفاضل السيد السند الأمين...الخ. ويصفه الحجة السيد حسين الطباطبائي بالعالم العادل ثقة الاسلام والمسلمين الجامع للشرائط ويقول الحجة الشيخ آغا بزرك في إجازته له (( بعد تكميله للمعقول والمنقول واجتهاده في الفروع والأصول سيدنا الأجل الأوحد الأمين على الدنيا والدين الأستاذ السيد محمد أمين بن السيد علي بن السيد الصافي آل عبد العزيز)) ويصفه الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بالسيد الشريف والإمام المحنك المنيف. وقد تخرج عليه جمع كبير من أعيان أهل الفضل في النجف وسوريا ولبنان والبحرين وايران.
آثاره:
1- حاشية على العروة الوثقى كتبها استجابة لطلب بعض مقلديه.
2- وحي الأمين منظومة فقهية في الصلاة تزيد على ثلاثمائة بيت شرحها شرحاً مفصلاً.
3- الوجيز في أحوال آل السيد عبد العزيز.
4- ديوان شعر (وحي الغربة).
5- مذكرات عن ثورة سنة 1920 أخذ عنها الدكتور الوردي في كتابه لمحات اجتماعية. كما نشرتها مجلة الرابطة الأدبية النجفية.
6- مقالات في الاقتصاد والحديث والاجتماع تدل على سعة توسعه في العلوم المذكورة.
وقد توفى مساء السبت 3/11/1973 بعد صلاة العشاء.
وكتبت عنه جريدة الرأي لصاحبها الدكتور عبد اللطيف هميم تقول ((محمد أمين الصافي من علماء الجهاد في ثورة العشرين وألف فيها كتاباً يتضمن ذكرياته وانطباعاته عن المجاهدين وشعراء الثورة التحررية الأولى في العراق ولم يطبعه لزهده في النشر ولأنه من علماء يؤثرون الصمت المحتشم على تسجيل المزايا الذاتية إنما ألفه لأحفاده ذكرى لوطنية أجدادهم حيث تضمهم أسرة علوية ضربت في العراق منذ زمن بعيد وجاءت أوائلها من الحجاز واستوطنت البصرة ثم هاجر أحد أجدادهم الى النجف وأسس لهم كياناً علمياً لحمته وسداه فقه وتشريع واجتهاد وقد برز السيد ((الصافي)) أحد أجدادهم في علمه وسميت الأسرة باسمه تيمناً بشهرته الرفيعة والسيد محمد أمين هو أحد أحفاده ومن أشقائه السيد محمد رضا الصافي أحد قادة ثورة العشرين وأحمد الصافي النجفي الشاعر العراقي الشهير والسيد هادي الصافي فهم أسرة نبوغ وأصالة وامتداد في تاريخ متصل المعرفة والاجتهاد. ولد في 1893وتوفى 1973 وفي الجامعة النجفية أكمل دراسته الفقهية وأجيز بأصول الفقه والكلام والمنطق وكان موضع تقدير لدى أقرانه المراجع وطلبته دولة البحرين ليشغل فيها موقع رئيس قضاة الفقه الجعفري وبقي عدة سنوات هناك مرجعية في الحقوق الشرعية وتخرج عليه جيل من أساتذة الارشاد الديني وترك اسمه يحفر عميقاً في ذاكرة أهل الرأي. قال الشعر يسخر به من ألاعيب الدجل الدنيوي وله فيه ديوان أوصى أن لا ينشر في حياته ويضم ديوانه هذا أرجوزة في نسب آل الصافي وموشحات على نسق شعر الفقهاء يشرح فيها حال الزمان وعرف بزهده غير المقنع وبتقواه التي تصل لحد الاعتكاف وبورعه وبتحرجه الذي يذكرك بتحرج علماء الطبقة الأولى في تاريخنا الفقهي الاسلامي كل ذلك قام على نفسه الرصينة وعلى مثله في السلوك الأخلاقي فكان إذا وقف مصلياً صمت جسده العفيف صمت الغارق في نجواه أمام المثال العلي القدير وإذا مشى من بيته إلى الجامع كان لا يراه أحد لتحاشيه الازدحام والابتعاد عن الحركة والأضواء فهو المتنسك العفيف المتوحد في نسكه ورقته الروحية هذا السيد الصافي الأمين كان حقاً من الشجرة الزاهرة ذات الجذر العريق)).
كان الحجة المرحوم السيد محمد أمين من أعلام المجاهدين الذين استرخصوا الغالي والنفيس في سبيل نصرة الله وعزة الوطن وتحرير أراضيه وقد شارك في الجهاد سنة 1330 كما كان على صلة وثيقة بالثوار وتنفيذ جميع ما أوكل اليه من مهمات. ويروي رحمه الله بعض ذكرياته عن الثورة فيقول ما يلي: عندما نشبت الثورة كان فريق من زعماء عشائر الفرات قد تخلف عن المشاركة في الثورة ولم يكن موقفهم ذلك موالاة للإنكليز ولكنه كان بسبب سوء تفاهم بينهم وبين بعض زعماء الثورة ومن بين هؤلاء فرقة من الغزالات وأخرى من آل زياد واخرى من خزاعة الشامية وقد اعتبر تخلفهم ثغرة في الصفوف تخشى مغبتها وعندما تأزم الوضع أبلغت القيادة العليا للثورة بواسطة أحد أركانها المرحوم السيد محمد رضا الصافي شيخ الشريعة المرجع الروحي الوحيد للثورة اذ ذاك ورجته التدخل المباشر والعمل على سد هذه الثغرة وبعد مداولته بالأمر قر رأيه على ايفادي والسيد أبو القاسم الكاشاني لاستثارة المتقاعدين عن نصرة الثورة فانتدب رحمه الله الحجة الشيخ جواد البلاغي حيث فاتحني والسيد الكاشاني بهذا الأمر فامتثلنا ولبينا الواجب وسافرنا مصحوبين بجمع من طلبة العلوم الدينية فوصلنا الحيرة وحللنا ضيوفا على المرحوم الحاج عبد الرضا آل زغير حيث اكتظت داره بالوجوه والزعماء وبعدما شرحنا لهم مهمتنا تنادوا لتلبية نداء الثورة وفي صباح اليوم الثاني سافرنا الى الغزالات ونزلنا ضيوفا على المرحوم السيد نور الحلو وهناك اجتمعنا مع المتخلفين منهم وبعد نصائحنا لهم وسكون أنفسهم الى توجيهنا اجتمع منهم ما يزيد على الأربعمائة محارب مجهزين بأحدث الأسلحة في حينه فاستعرضناهم وهم ينشدون الأهازيج الشعبية واتفقنا معهم على وجوب التحرك باتجاه طريق الشامية. وبعد يومين قصدنا الشيخ هنين رئيس آل زياد ونزلنا في ضيافته وكان الشيخ هنين من دهاة زعماء الفرات وكان سوء التفاهم مستحكماً بينه وبين السيد محسن أبو طبيخ وكان طبيعياً أن يغاير اتجاهه وأن يتجه مع نفس الوجهة الشيخ سلمان آل ظاهر رئيس خزاعة والشامية لتصادم مصالحه أيضاً مع مصالح السيد محسن وقد تكونت لهم جبهة قوية مناوئة للسيد محسن ومناوئة للثورة ثانياً لأنها تروم تحقيق مصالحها بعكس الطريق الذي يسلكه السيد محسن لتحقيق مصالحه وكان على الوفد معالجة تلك المشكلة التي لا تنجح مهمة الوفد بدونها وأثناء الاجتماع انفردت مع الشيخ هنين بمجلس خاص وقد دامت المفاوضة بيني وبينه ساعات ما لبث بعدها الشيخ هنين إلا إلى الانقياد للثورة والمشاركة فيها حيث أوعز لقبائله بالتهيؤ وقد استعرضنا فعلاً حربية آل زياد قبل سفرنا الى الشيخ سلمان آل ظاهر وقد استصحبنا معنا الشيخ هنين للاستعانة به على اقناع سلمان آل ظاهر بضرورة مؤازرة الثوار وتطمينه على مصالحه التي يخشى عليها من السيد محسن وما أن حللنا عليه الا وجدناه رجلاً وقورا ساذج النفس سليم الطوية وقد كان حلولنا عنده مخرجاً له مما كان يحز في نفسه من خسة التقاعد على نصرة الثورة وأخيراً تم انقياد هذا الزعيم المؤثر انقيادا مطلقا لساعته وأمر برفع علم الثورة على قلعته وأرسل رسله الى آل خزيم وغيرهم من قبائل الشامية وفي الصباح اقترح علينا أن نطوف على عشائر الشامية وهو يصحبنا وأرسلنا السيد علي الحلي والسيد عبد الحسين الحلو الى علي العميش وطفت والسيد الكاشاني والشيخ سلمان آل ظاهر على بقية القبائل وقد انتهت مهمتنا بالتوفيق وقد صادف يوم موعد تجمع العشائر الذي اتفقنا عليه مع الثوار لخوض المعركة الفاصلة هو يوم انكسار الثوار في الوند وانكسار قبائل الهندية وهنا تجرعنا مرارة خذلان الثوار عندها أصر المرحوم السيد أبو القاسم الكاشاني على السفر الى إيران ولا يعود الى النجف وكان له ما أراد حيث ودعته وسافر من الشامية الى الدغارة أولا حيث التحق بفلول المجاهدين هناك ومنها سافر الى ايران أما أنا فقد عدت الى بساتيننا في الحيرة ووجدت هناك من أقطاب الثورة الروحيين عندنا الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ عبد الرضا الشيخ راضي وأخي السيد محمد رضا ولما يئس الشيخ الجزائري وزميله الشيخ عبد الرضا من نجاح الثورة عادا الى النجف وقد عدت معهم وبقي أخي السيد محمد رضا هناك وعند وصولي النجف علمت بأن أخي السيد أحمد قد عزم على الفرار الى ايران بعد أن جرى تحري دارنا بقصد القاء القبض على أخوي السيد محمد رضا والسيد أحمد وبينما كنت أرقب أمر فرار أخي أحمد فوجئت بمجيء حميد خان الى دارنا حيث طلب الي احضار أخي السيد محمد رضا أمام الحاكم السياسي (نوربري) وبعد مغادرته سافرت الى الحيرة وأخبرت أخي السيد محمد رضا بأمر تحري دارنا فاستشاط غضباً وقال ما دام الأمر قد وصل الى تحري دارنا وترويع عائلتنا فلن أسمح لنفسي بالبقاء هنا وسأذهب الى النجف لتسليم نفسي وليكن بعد ذلك ما يكون وهكذا كان حيث عاد الى النجف واستسلم للحامية البريطانية وسفر الى الكوفة ومنها الى سجن الحلة حيث أودع فيه.
أولاده:
أعقب الحجة السيد محمد أمين أولاده العلامة الشاعر المرحوم السيد يحيى والأستاذ السيد صلاح الدين والدكتور محمد والسيد نور الدين والسيد حسن.
وفاته:
انتقل الى جوار ربه مساء السبت 7 شوال سنة 1393هـ المصادف 3/11/1973 وقد شيع جثمانه الطاهر تشييعاً يليق بمكانته العلمية والوطنية وزهده وتقاه حيث مشى فيه العلماء الأعلام وقد شاركت في تشييعه وفود من بغداد والفرات الأوسط وبعد اتمام مراسيم التشييع والصلاة عليه ووري جدثه الطاهر الثرى في مقبرة الأسرة وبد اتمام فاتحة اسرته أقام مجلس الفاتحة على روحه حجج الاسلام الامام السيد الخوئي والسيد يوسف الحكيم والشيخ علي كاشف الغطاء وكما أقامت بعد ذلك الحوزة العلمية العربية مجلس الفاتحة على روحه مدة ثلاثة أيام وقد أرخ عام وفاته العلامة السيد موسى بحر العلوم بقوله:
طرقت فخاست بالأمين محمد |
علم الهدى من آل عبد مناف |
|
نكراء لم تنفع لدامي جرحها |
رغم الطبيب وسائل الاسعاف |
|
تركت أشداء الرجال لهولها |
مشدودة الأيدي إلى الأكتاف |
|
لتردد الحسرات في تاريخها |
(أشجى الورى حتف الأمين الصافي) |
1393
كما أرخ وفاته العلامة الشاعر الشيخ محمد رضا آل صادق بقوله:
يا من مضى صافياً عليا |
عن كل نقص به مشين |
|
مجاورا ربه قريرا |
مع الرضا صنوه القرين |
|
بأدمع القلب أرخوه |
(جنب الرضا مدفن الأمين الصافي) |
1393
وقال العلامة الشاعر الخطيب السيد جواد نجل حجة الاسلام السيد علي شبر في تاريخه لوفاته:
ارمز التقى كنت الأمين بعلمه |
ومنهلك الصافي كأعذب مورد |
|
وكنت كما الناعي نعاك مؤرخا |
(أمينا على التقوى وشرعة أحمد) |
سنة 1393
وقد رثاه العديد من الشعراء منهم السيد نجم الدين يوسف عباس الحكيم والعلامة الشاعر الشيخ محمد رضا آل صادق والسيد جواد الصافي والشاعر موفق وسعيد العبيدي وغيرهم لا زال محفوظاً لدى أبنائه. ومما جاء في قصيدة السيد نجم الدين الحكيم قوله:
يا ابن الكرام وصفوة الأشراف |
وممثل الأمجاد من أسلاف |
|
حيث الكرامة والسماحة والتقى |
وكذا المهابة والجلال الضافي |
|
خلقٌ كما شاء الكمال مهذب |
سمحٌ خلا من وصمة وجفاف |
|
وترَفُّعٌ عن ذل عيش ناعم |
فلذا منعت من الدنا بكفاف | |
جمُّ التواضع لا تفارق ثغره |
بسماته في رقة الظراف | |
وعليه من عِظَمِ الوقار أو التقى |
كالأنبياء مهابة الأحناف | |
وتراه في علم وفيضِ سماحةٍ |
كالبحر أو كالوابل الوكاف |
|
يهمي فتزدهر البلاد بفيضه |
والدر من تياره القذاف |
|
مولاي يا رب البلاغة والحجى |
فخر السيادة كامل الأوصاف |
|
هذي السجايا ما أجلَّ نعوتها |
مَثَّلتها بتقاوة وعفاف |
|
وشمائل الأجواد كنت شميمها |
في كل مزدهر من الأعطاف |
|
وعواطف النبلاء أنت ضميرها |
حياً يرى في سائر الألطاف |
|
أأمين يا معنى الأمانة ما بدى |
في كل نقلٍ ظاهرٍ أو خاف |
|
يا ناشراً أسمى العلوم وخيرها |
لبلوغ أنبل غاية الأهداف |