يبتدىء تاريخ الأسرة في النجف الأشرف إثر هجرة المهاجر الأول إليها العلامة المرحوم السيد أحمد بن المرحوم السيد عبد الحسين الجبيلي سنة 1090 للهجرة كما تشير لذلك الدلائل الخطية وكانت هجرته؛ لطلب العلم والجوار ففاز رحمه الله بهما بأوفى نصيب وبلغ مرتبة عالية في التحصيل ولبعد العهد فلم يصل إلي من آثاره العلمية شيء سوى ما حدثني به عمي الحجة المرحوم السيد محمد أمين الصافي (رحمه الله) من أنه اطلع على رسالة فقهية خطية في مكتبة المرحوم الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وهي لأحد السادة المشعشعيين في تحريم المتعة بالعلوية البكر وقد قرضها المرحوم العلامة السيد أحمد والشيخ خضر الجناجي والد الشيخ كاشف الغطاء والمرحوم السيد أحمد هو أب الأسرة وواضع أول لبنة من لبنات مجدها العلمي.
من أين كانت هجرته؟
يقول الحجة السيد محمد أمين الصافي في رسالته الموسومة بـ (الوجيز في أحوال آل السيد عبد العزيز) إن هجرته كانت من جبيلة البصرة بعد استقرار ذويه فيها إثر هجرة جده السيد ثابت بن السيد موسى من المدينة المنورة الى ساحل الجنوب العربي في حدود سنة 700، للهجرة وقد سبق للسيد علي بن السيد عبد المطلب بن السيد عبد الحسين بن عم السيد أحمد الانتقال الى إمارة عربستان وهو والد السادة آل ((أبي شوكة)) ويعرف بالسيد علي الجبيلي، والجبيلي هو لقب الأسرة في تلك الأوساط نسبة لموطنه جبيلة البصرة ومنه تفرع السادة آل أبي شوكة القاطنين الآن في عربستان ((الأحواز)) وهم من ذوي الجاه والمكانة المرموقة، وقد نبغ منهم رجال عظام أمثال السيد جابر السيد مشعل والسيد فاخر والسيد عناية بن السيد رمضان. أقول ويعد السيد جابر السيد مشعل في الطليعة من رؤساء عربستان وللسادة جابر وعناية وفاخر بالإضافة لزعامتهم يد طولى في العلم والأدب ويعتبرون من رواة الشعر العربي وآدابه ولهم شعر كثير وينقل عن حجة الإسلام المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري قوله: ((إني عندما أصل بيوت السادة عناية وجابر وفاخر والتقي بهم أكاد أنسى النجف ومنتدياتها الأدبية ومجالسها العلمية)) ويذكر إن للشيخ الجزائري رحمه الله ضياع نخيل وقطعة أرض هناك كان يتردد عليها بالإضافة لما كان يشده من صلة وثيقة بالشيخ مزعل وبعدئذ بأخيه الشيخ خزعل. وبسبب موقع السيد جابر الذي سبقت الاشارة إليه فقد لعب دوراً مهماً في مجرى أحداث الإمارة في الحرب العالمية الأولى بعد افتضاح أمر الشيخ خزعل من جراء تعاونه مع الإنكليز وعدم استجابته لفتاوى العلماء المشتملة على وجوب الجهاد على المسلمين كافة حيث هرع العراقيون على إثرها لمحاربة الإنكليز وتوجهت جموع المجاهدين الى الفاو والبصرة والشعيبة والحويزة الواقعة على حدود محافظة ميسان وإثر امتداد دعوة الجهاد إلى عربستان كان المرحوم السيد جابر أول من لبى الدعوة إثر وصول أبناء عمومته السيد محمد رضا الصافي والسيد محمد جعفر الصافي وهم يحملون فتاوى العلماء بوجوب الجهاد فذهب السيد جابر إلى الشيخ خزعل وطلب منه تلبية دعوة الجهاد والثورة على الإنكليز الكفرة، فلم يفلح في حمله على تأييد الثورة حيث كان الشيخ خزعل معروفاً بصداقته للإنكليز وممالئته لهم وبدأ يشدد الخناق على القبائل العربية في محاولة منه للحيلولة دون قيامها بواجب الجهاد ضد الإنكليز ولم ير السيد جابر بدا من إعلان الثورة عليه وبدأ بدعوة أبناء عمومته السيد فاخر والسيد عناية وآل السيد سحاب في الدورق وعموم السادة البو شوكة في الدورق وكارون والجراحي وحيث كانت تجتمع في السيد جابر الرئاسة الزمنية والقدسية الروحية المؤثرة في نفوس العشائر العربية فقد لبت دعوته بعد أن قرأ على زعمائها نصوص فتاوى العلماء التي حملها إليه أبناء عمومته وبدأت ثورته فانضمت إليه جموع غفيرة من سكان مناطق الدورق والجراحي وكارون وبقية المناطق الأخرى، فسار بهم إلى جهة شط العرب المقابلة إلى البصرة فانضمت إليه عشائر الباوية ثم تبعتها عشائر كعب في الثورة على حكم أميرهم الشيخ خزعل بعد افتضاح أمر مخالفته للإنكليز كما أسلفت وقد أوجز الإشارة لذلك الدكتور علي الوردي الباحث الاجتماعي المعروف في الجزء الرابع من كتابه ((لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)) وعندئذ تحرج الوضع بالنسبة للإنكليز بعد اعتراف الشيخ خزعل بفقدانه السيطرة على العشائر العربية الموالية للسيد جابر وينقل عن الشيخ خزعل انه كان يردد لبعض مريديه لدى استفسارهم منه عن أسباب انكساره أهزوجة تقول ((هيجه علي صبي عيني)) ويقصد بذلك صديقه الحميم ومرجعه في التقليد المرحوم الحجة الشيخ عبد الكريم الجزائري (قدس سره) حيث كان يعتقد إن الشيخ الجزائري هو الذي أوحى للسيد جابر بواسطة ابناء عمومته السيد محمد رضا الصافي والسيد محمد جعفر الصافي بالثورة عليه، وفي هذه الأثناء جمع الشيخ خزعل فلول أنصاره والمقربين إليه من فخذ المحيسن وعشيرة كعب وأعوان الإنكليز في المنطقة وجرد حملة قوية لمواجهة السيد جابر وأنصاره وأرسل قسماً من قواته للالتحام مع عشائر الباوية الثائرة بقيادة ابن أخيه حنظل فدحرها كما أرسل المتبقي من قواته بقيادة ابنه الأكبر جاسب نحو عشائر كعب فدحرها أيضاً وبعد وقوع مصادمات عنيفة بين الطرفين انتهت بانتصار الشيخ خزعل بسبب وفرة إمكاناته من السلاح والمال بالإضافة إلى دعم الإنكليز له ومحدودية السلاح والمال لدى السيد جابر وأنصاره، ومن الطريف أن أذكر هنا نادرة أملتها ظروف القتال آنذاك حسب رواية السيد عبد الوهاب الصافي وهي ان جيش السيد جابر كان يردد الأهازيج التي يرددها العرب في حروبهم وكان من بين تلك الأهازيج واحدة تقول: ((ميزان الحق سيد جابر)) باعتبار ان ثورته على الشيخ خزعل ومحاربته للإنكليز حرباً مقدسة ضد الكفار ومناصريهم وعندما انكسر جيش السيد جابر بادر المنكتون من أنصاره فتمثل بهذه الأهزوجة ((ميزان السيد بي دوره)) أي لا يصلح لإحقاق الحق وذهبت هاتان الأهزوجتان مثلاً وينقل عن الشيخ خزعل انه كان يرد قبل انتصاره على أهزوجة أنصار السيد جابر بقوله ((ميزان الزك سيد جابر)) والزك كلمة يمج تثبيت معناها الذوق والآداب وإن دلت على شيء فإنما تدل على ما وصلت إليه نفسية الشيخ خزعل من انهيار بحيث بات يتوسل بإطلاق الألفاظ البذيئة وبعد فشل الثورة عاد السيد جابر إلى الدورق ولما له من قدسية روحية في النفوس لم يستطع الشيخ خزعل من جرائها حتى استدعاء السيد جابر وسؤاله عن دواعي ثورته عليه ولكنه استدعى ابن عمه السيد عناية السيد رمضان وبعد وصوله لديوانه الرسمي سأله بقوله (( يا سيد عناية هل كنت وابن عمك السيد جابر تحلمون في منافستي على ملكي وسلطاني حينما أعلنتما العصيان والثورة هل تتصوران إنكما قادران على الصمود أمام جيشي)) فأجابه السيد عناية في مقولته المشهورة والتي لا يزال يتناقلها الناس حتى يومنا هذا هناك ((إنّك واهم أيها الشيخ إذا اعتقدت ذلك لأن طموحنا في الحكم يتعدى حدود إمارتك فالحكم لنا قبل أن ترثه أنت وآباؤك)) وقد تأثر الشيخ خزعل تأثراً كبيراً ولكنه لم يرد عليه وأمر حجابه بإخراجه من مجلسه وبعد اخراجه سافر الى الأحواز وتجدر الاشارة ان ما ألمحت إليه بإيجاز في ترجمة بعض أعلام السادة آل أبي شوكة هو غيض من فيض من سيرة هؤلاء السادة الأجلاء.
ويقول الحجة السيد محمد أمين في الوجيز والسيد عبد الحسين جد السيد علي أب السادة آل أبي شوكة السالف الذكر هو ابن السيد حردان بن السيد حسان واليه ينتهي نسب السادة ((البو الدنين)) بواسطة أبيهم السيد دنانة بن السيد غزال بن السيد حسان وله ينتهي نسب السادة ((آل موزان)) بواسطة أبيهم موزان بن جابر بن حردان بن حسان وهاتان القبيلتان من أوفر العلويين عدداً ومن ذوي الجاه والثروة ومنعة الجانب وهم يقطنون في محافظة ميسان وباقي المحافظات والسيد حسان المذكور هو ابن السيد موسى وإلى هذا ينتهي نسب السادة ((البخات)) بواسطة أبيهم السيد يوسف بن السيد محمد بن السيد علي والسيد علي حفيد السيد موسى المذكور وهم كذلك من أوفر القبائل العربية العلوية عدداً ويسكنون اليوم في محافظتي ميسان وبغداد والسعدية في علي الغربي مقر زعامتهم وزعمائهم المعروفين ببيت سعد وقد نبغ منهم رجال عظام منهم السيد سعد وهو من الأمجاد والزعماء البارزين وأخوه السيد حمد وهو من الدهاة المحنكين والرجال العصاميين فيما وهب من عقلية راجحة ونفس طموحة ورباطة جأش وقوة شكيمة وقد انتقل العديد من أبنائهم بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 الى بغداد واستقر العديد منهم في مدينة الثورة والسيد موسى هو ابن السيد عبد الله بن السيد حسن وله عقب في تلعفر بمحافظة نينوى يدعون بالسادة ((الموسويون)) تارة والسادة الجعافرة أيضاً وقد برز منهم العديد من الشخصيات التي مثلت ولا زالت قضاء تلعفر في البرلمان في العهد الملكي والمجلس الوطني في العهد الجمهوري حتى يومنا هذا والسيد حسن هو ابن السيد علي وله ينسب السادة بواسطة أبيهم جعفر بن علي المذكور وهؤلاء السادة كثيرون ويسكنون بالإضافة إلى محافظة نينوى في عدد من محافظات العراق والسيد علي المذكور هو ابن السيد محفوظ وهذا له عقب في هجر أيضاً وهو ابن السيد ثابت المهاجر الأول من المدينة المنورة كما أسلفنا والسيد ثابت هو ابن السيد موسى ولهذا عقب في المدينة المنورة وموسى بن محمد بن حمدان بن راشد بن ثامر بن موسى بن محطم بن منيع بن سالم بن فاتك بن هاشم بن هشيمه بن هاشم بن فاتك بن علي بن سالم بن علي بن صبره بن موسى العصيم بن علي بن الحسن الثائر الذي قال عنه ابن شدقم: إنّه كان عالماً فاضلاً ثار على المعتضد العباسي في المدينة المنورة وغلب عليها وقتل في اليمامة والحسن هو ابن جعفر بن الامام الهمام موسى بن جعفر عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل التحية والسلام.
وقد أعقب المرحوم السيد أحمد ابنه السيد عبد العزيز.