السيد فاتك الصافي

من كتاب الوافي في أحوال آل السيد الصافي "طاب ثراه"


هو أبو صخر السيد فاتك بن العلامة المجاهد السيد محمد رضا الصافي ولد في النجف الأشرف سنة 1930 ونشأ فيها مرعياً برعاية خاصة من والده حيث كان رحمه الله يصحبه معه أينما اتجه رغم صغر سنه وكان أثيراً عنده بصورة ميزته عن أخوانه وبعد وفاة والده كفله شقيقه الأكبر السيد حسين الصافي طاب ثراه فأحسن تنشئته وعندما سمحت سنه في الانتظام في الدراسة الابتدائية انتظم فيها وأكملها في سنيها المقررة ثم التحق بالدراسة المتوسطة فأكمل امتحانها الوزاري بنجاح وتفوق عندها رغب التوجه لدراسة علوم الدين فانتظم في مدرسة جمعية منتدى النشر الدينية ودرس فيها سنة كاملة أكمل فيها المقدمات لدراسة علوم الدين بنجاح متميز إلا أن أخاه السيد حسين حمله بإصرار على الالتحاق في الدراسة النظامية فكان له ما أراد وعند انتقال أخيه السيد حسين بعائلته إلى بغداد للدراسة في كلية الحقوق صحبه معه وسجل في المدرسة الإعدادية الجعفرية فأتم الدراسة الإعدادية فيها ثم سجل في كلية الحقوق وتخرج منها ومارس المحاماة عدة سنوات وإثر قيام ثورة تموز عام 1968 ترك العمل في المحاماة واتجه للعمل الزراعي بمنطقة غماس حتى الآن. وما يميز حياة السيد المترجم أنه انتهج المثالية في سلوكه في حياته وهو مناضل حلو الشمائل صلب في الدفاع عن مصالح شعبه وأمته شجاعاً كريم النفس لا يعرف المراوغة والمداهنة. ما في قلبه بلسانه شيمته الوفاء ومزية قلبه الصفاء. ينكر المنكر ولو كلفه حياته. شديد في الحق مجبول على الصدق مستقيم السيرة في وطنيته حر الرأي في تفكيره وقد كلفته استقامته ومثاليته وإنكاره المنكر الكثير من الأذى والمتاعب وطالما عرضت حياته للمخاطر وكان ولا يزال شهماً يفيض طهراً وقد وصفه صديقه العلامة الحجة السيد حسين بحر العلوم بقوله:

 

أبا صخر أي ترب الشهامة   ويا فرع النبوة والإمامة
ويا روحاً تألق من صفاء   والطاف كمعسول المدامه
ويا روحاً يفيض شذى وطهرا   فتخصب منهما لغة السلامة

 

وخاطبه الشاعر المرحوم عبد الكريم الدجيلي مهنئاً له في العيد من قصيدة له بقوله:

أفاتك لا فاتتك حلو الشمائل   ولا جانبتك الطيبات من الحمد
شفيعك اباء تساموا ونخوة   تغذيتها من ثدي أمك في المهد

 

وخاطبه الشاعر علي الحيدري برسالة ضمنها أبيات له يقول فيها:

أبا الصخر لا نال منك الزمان   وأعطاك كل الذي ترتضي
ولا باعد الله ما بيننا   ولا الود من قبلنا ينقضي
هززتك هز الحسام الصقيل   بكف همام له ينتضي
فكنت العلوي الأصيل   إذا ما تعهد أمراً قضي
وما كل سيف يفل الحديد   ولا كل نجم سماء وضي
ولكن مجداً توارثته   يظل كمطلع شمس يضي
وجدت بك النبل والكبرياء   وراياً سديداً وخلقاً رضي
وما ذاك عمن أبوه الرضا   بعيد وعن ابن عم الرضي

 

ولو دونت جميع ما قيل وكتب عنه وإليه لألف كتاباً قيماً من الأخوانيات حوى الكثير من غرر القصائد والرسائل الشيقة.

 

ترجمه صاحب كتاب المشجر الوافي في السلسلة الموسوية في الجزء الثالث فقال السيد فاتك بن السيد محمد رضا الصافي. ولد في النجف سنة 1930 وبها نشأ وتعلم. درس العلوم الدينية في منتدى النشر ثم انخرط في الدراسة النظامية حتى تخرج من كلية الحقوق سنة 1963.

مارس العمل السياسي فترة من الزمن حتى عين محافظاً لمحافظة القادسية ثم اتجه للعمل الحر مفضلاً العمل الزراعي أعقب ولدين المهندس صخر وقد أكمل دراسة هندسة الكومبيوتر في الولايات المتحدة. وفواز أكمل الدراسة في المعهد الزراعي في الكوفة.


إن نشأة السيد فاتك وترعرعه في الدار التي شهدت أول اجتماع مهد للثورة العراقية الكبرى في (30) حزيران سنة 1920 ومصاحبته لأبيه منذ نعومة أظفاره وهو من أقطاب الثورة وحاملي مشعلها الكبار كما هو معروف والذي توج جهاده بأن حكم عليه المستعمرون بالإعدام كما مر في ترجمته وسيرة أعمامه الأعلام الذين خاضوا سوح الجهاد عن الوطن والذود عن حياضه وما يسمعه من مواقف أخواله الذين لبوا نداء الثورة وأبلوا البلاء الحسن في ساحات القتال في الرميثة وما جاورها وما رآه من سلوك إخوانه الكبار الذين جعلوا خدمة الوطن مسابقة فيما بينهم أملت عليه مواصلة مسيرة الجهاد القومي والوطني منذ صباه يوم كان في النجف حيث عرف بنزوعه القومي وعناده الوطني وأول مشاركاته كانت ضمن التكتل القومي الذي ضم أبناء العوائل الكريمة في النجف والذي استهدف الوقوف بوجه تحرك ذوي المبادئ الوافدة واثر انتقاله إلى بغداد التحق بركب العمل القومي الذي يقوده يومئذ حزب الاستقلال بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة رحمه الله فأسهم باندفاع شديد في المظاهرات التي قادها حزب الاستقلال بوجه حكومة نور الدين محمود ثم مشاركته الفاعلة في مظاهرات بغداد سنة 1956 المناصرة لمصر عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي عليها وقد ألقي القبض عليه مع عدد من رفاقه وبعد أيام أفرج عنه ثم ألقي القبض عليه إثر أحداث ثورة الشواف في الموصل وعام 1959 وقد تعرض للأذى الممض والتعذيب والكي بأعقاب السكائر وبعد عدة أشهر أطلق سراحه مع من أطلق سراحهم من المعتقلين من حملة الفكر العربي وقد انتظم في حزب البعث العربي الاشتراكي حتى وصل إلى نائب أمين سره في العراق قبل توقفه عن العمل السياسي كما سلف وقد فوتح ابتداءاً من قبل القيادة بالتصدي لاغتيال عبد الكريم ولكنه اشترط لمشاركته أن تتم عملية الثورة امتداداً لاغتياله إلا أنه لم يحصل على استجابة فاستبعد من المشاركة في عملية التصدي للاغتيال عندها قام بتكليف من الحزب بتهيئة السلاح للشباب الذين شاركوا في التصدي لعبد الكريم قاسم أثناء محاولة اغتياله برأس القرية في شارع الرشيد ببغداد وقد أحيل ضمن المشاركين في المحاولة إلى محكمة المهداوي المسماة بـ((محكمة الشعب)) فحكمت عليه غيابياً بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وفي ذلك قلت مخاطباً إياه ضمن رسالة بعثتها إليه إلى سوريا أثناء لجوئه إليها:

عشر من السنوات بالسجن المشدد   حكم الطغاة عليك يا أملي المشرد
لك أسوة بالسابقين العلى   لك أسوة في سجن أحمد

 

وبعد فشل المحاولة المذكورة غادر بغداد متخفياً حتى سامراء ومنها غادر إلى سوريا مشياً على الأقدام وبعد مكوثه في سوريا عدة أشهر غادرها مع صحبه إلى القاهرة التي احتضنت أكبر عدد من العناصر القومية المناوئة لحكم عبد الكريم قاسم حين ذاك وقد نشط نشاطاً ملحوظاً ضمن أنشطة حزب البعث العربي الاشتراكي تنظيم القاهرة – الأمر الذي أثار حفيظة الأجهزة الأمنية هناك فعمدت إلى اعتقاله وأوقف في أحد معتقلات السياسيين في القاهرة وبعد مضي مدة على اعتقاله قدم طلباً للسلطات المصرية طلب فيه إلغاء لجوئه السياسي وإعادته إلى العراق فأفرج عنه وتم تسفيره إلى بغداد مفضلاً قضاء مدة سجنه في العراق على البقاء معتقلاً في مصر وبتاريخ 7/1/1962 عاد إلى العراق ولدى وصوله مطار بغداد وتعرف الأجهزة الأمنية عليه أُقتيد إلى الموقف ثم أودع في سجن بغداد المركزي حيث نفذت فيه عقوبة سجنه عشر سنوات وفي سجن بغداد استأنف عمله مع السجناء فما كان من إدارة السجن إلا طلبت معاقبته ونقله إلى سجن آخر بسبب نشاطه فتم نقله إلى سجن الحلة وحذرته سلطات السجن من مغبة نشاطه السياسي إلا أن ذلك لم يردعه عن عمله وبقي يمارس نشاطه السياسي حتى قيام ثورة 14 رمضان سنة 1963 حيث أطلق سراحه من السجن بتاريخ 15/2/1963 واستمر في نضاله بالعمل الحزبي حتى ردة تشرين حيث ألقي القبض عليه وأعتقل في السجن العسكري المعروف برقم واحد وذلك بتاريخ 18/2/1964 ولم يمض على زواجه سوى شهرين وقد تعرض أثناء اعتقاله لأبشع أنواع التعذيب أثناء التحقيق معه بعد اعتراف عدد من رفاقه على دوره ونشاطه وموقع مسؤوليته إلا أنه لم يعترف بحرف واحد رغم قسوة ما تعرض له من أذى فكان مضرب المثل في صلابة الرجال والثبات على المواقف مرددا مع نفسه مخاطباً إياها بقول عمه ((وكن إن عراك الخطب كالطود شامخا)) واستمر في موقفه المشرف حتى إطلاق سراحه بتاريخ 4/12/1964 عندها عاد لمزاولة عمله السياسي متخفياً في أحد الدور حتى مقتل عبد السلام محمد عارف حيث عاد للظهور علناً للعمل في الساحة السياسية وإثر قيام ثورة 17-30 تموز ترك العمل السياسي كما أسلفت واتجه للعمل في الزراعة في منطقة غماس وبعد مرور أشهر على الثورة وتقديراً من قادتها لدوره الوطني عرضت عليه مناصب كثيرة فكان يرفضها مفضلاً الأستمرار في عمله الزراعي الحر وأخيراً فقد الزم إلزاماً بالتعيين كمحافظ لمحافظة القادسية وبعد أشهر على مباشرته في إدارتها نقل الى العمارة فما كان منه إلا أن قدم استقالته وعاد لمزاولة عمله الزراعي. وبعد أحداث الفتنة الرعناء التي دبرتها الزمر الإجرامية وكان أثنائها في غماس حيث ألقت القبض عليه واقتادته الى النجف وأودعته في إحدى غرف الصحن الحيدري الشريف مع العديد من المسؤولين وبدأ الغوغاء بإطلاق الرصاص عليهم وهم في إحدى حجر الصحن الحيدري الشريف فأردوا العديد منهم قتلى مضرجين بدمائهم وقد كان لصرخته المدوية بوجوههم وموقفه العلوي الشجاع الأثر الحاسم في نجاته من موت محقق بشهادة جميع من شهد هذا الحادث المروع بعدها نقل إلى مدرسة الحكيم وبعد يوم نقل إلى الدار التي يسكنها السيد الخوئي رحمه الله وبقي فيها يوماً ثم أطلق سراحه وقد أرخ الحادثة الشاعر الأستاذ محمد الشيخ علي البازي بقوله:

آل الرضا أعظم بهم سادة   والكل منهم كامل الأوصاف
من حيدر حازوا النهى كابرا   عن كابرٍ بالفضل والألطاف
ومن سما تالده يعتلي   طارفه فخراً على الأطراف
وفاتك خل الإبا واضح   بالقول والفعل بلا إحجاف
و يبذل الغوغا بتاريخهم   (جهدا لغدر الفاتك الصافي)

   سنة 1991

وقوله:

سألتهم فعلتهم هذه   بسيد من أنبل الأشراف
ما جاء فيها قبلكم آثم   أو مجرم وغد من الأجلاف
غوغائكم ما قصد تاريخها   (قالوا لقتل فاتك الصافي)

سنة 1411هـ

أولاده:

أعقب أولاده السادة المهندس صخر وقد أعقب أبنه السيد حسان وفواز وقد أكمل المعهد الزراعي وقد اتجه للعمل مع أبيه باختصاصه في الزراعة وقد أعقب أولاده السادة محمود وعلي ومحمد رضا.


انتقل إلى جوار به بتاريخ 19/11/2012 إثر مرض عضال في مستشفى ابن البيطار في بغداد ونقل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف وبعد أداء الصلاة على روحه من قبل العلامة السيد حسن بحر العلوم في الصحن الحيدري الشريف شيع تشييع مهيب يليق به ولما لأسرته من مكانة ووري جثمانه الثرى إلى جنب والده وأخوانه في مقبرتهم الخاصة وأقيمت على نفسه الزكية مجالس الفاتحة ببغداد والنجف الأشرف وحضر مجالس الفاتحة المقام على روحه أغلبية الساسة ورؤساء عشائر الفرات الأوسط والموصل والأنبار من عارفي مكانته ورثاه العديد من الشعراء ومنهم الشاعر عبد الرسول البرقعاوي بقوله:

تحرّك أيها الجدث الأصم   كأنّك لست تعلم من تضم
كأنّك لست تدري أنّ دنياً   من الأفكارِ تحتك تستحم
كأنك لست تدري أنّ بوحاً   عراقي الهوى بل يستجم
كأنّك لست تدري أنَّ صقراً   أبيّ الضيم صبّار أشم
هوى رملَ الغريّ فحطَّ فيه   وهل غير الغري له يضم
إذا لمّت جراحك كفّ موتٍ   فمن لشتات لوعتنا يلمُّ
تهم حشاشة الكلمات نزفاً   إليكَ كلُّ أوردتي تُحجم
فيصليني هوى الذكوات حتّى   أرى أوجعي لقافيتي يزمُّ
"أبا صخر" وكلك مكرمات   يضيء دُجى التواكل منك حزم
وإنك رغم أنف الدهر طود   أصيل رائع اللفتات شهم
حليف الهمّ منذ صباك صَلتٌ   وكيف يغادر الصافي... هم
مشى بك للذُرى البيضاء فِعلٌ   نبي والثوى بيديك عُتْمُ
وقفت وخلفك الأمجاد تحبو   فأنت لأهلها أبداً تؤمُّ
إذا هطلت يداك على جديبٍ   توهج بالغضارة. منه جهم
وكنت أراك في محمود وهجاً   وفي محمود وهج المجد.. ينمو
أبا صخر وكلَ دمّي "يصلّي"   على محراب حبك نار جهنم
فقد هفت الضُلُوع إليك حبّاً   نقيّاً والهوى بدمي يحم
أُحبّك لا أُريد بذاك غُنماً   ولكن حُبّكم والله غُنمُ
فنعمَ سلالة بالمجد تزهو   ويعض قوامها أدبٌ وعلمُ
وأبناء الرضا الصافي نجومٌ   إذا ما غاب نجمٌ لاح نجمُ
فأنتم للمكارم خير تاج   وأنتم للفخار أبٌ وأمُّ
تحرّك أيُّها الجدث الأصمُّ   فقد ألوى بك البدرُ الأتمُّ
سألتك أن تميط الرمل عنهُ   لعلّي من شذا الصافي أشمُّ
سألتك أن تُكلّمني وعندي   سكوتك مفصحٌ وخلاك ذمُّ
سألتك أن تكفكف من دموعي   وهنَّ على مرايا الخد سُجمُ
أيا قبر الحبيب وأنت عندي   كِيان بعضهُ لحمٌ ودمُّ
تراني؟ أم عيونك مثل عيني   قُفلْنَ بدامعٍ شفتاه بكمُ
أُصفَّدُ بالحياء الدمع لمّا   يحاصرني على بلوايَ.. غمُّ
كأنك لست تدري أنَّ ضيفاً   يحلُّ على "علي" منه جسمُ..
عليٌّ هوفيض تقىً ونورٌ   وفيه لعارم الأسرار يمُّ..
عليٌّ وهو للتأريخ فخرُ   وهل بسوى "علي" الفخرُ يسمو
أذوق المر فيك وأشتهيه   ويحلو منه في شفتيَّ طعمُ
أمير المؤمنين وهل يوفّي   لبعضِ صداك أشعارٌ ونظم
وأنتَ تظلُّ وهجاً سرمديّاً   يرف بكل ضلع منه عظمُ
لتمثلك مطرقاً خجلاً لعلّي   يعمد لي ذنوبي منك لثم
ابا حسن وقد طاحت عروش   كذلك يمحقُ الطاغوت هدمُ
وسوف يطيح بعد اليوم أُخرى   أساسُ نظامها جورٌ وظلمُ
ابا حسن وهل بقيت لدينا   سوى الآهات يوقدهنَّ ضِرمُ
وصار الحلم في بلدي سراباً   وكلّ الأمنيات الخضر.. وهمُ
فمخمصةٌ تميتُ البعضُ جوعاً   وفاحٍشُ ثروةٍ بالسُحتِ جَمُّ
فأيّ عدالةٍ مولاي فينا   تساوى عندها درٌ وفحمُ
أرجعني فالهواجسُ ظامئاتُ   ولا تكتم أما يكفيك.. كِتمُ
أبا حسن وأنت لنا المُرجّى   إذا ما جارً بالأحكامِ خِصمُ
فأنتَ لمؤمنٍ عَسلٌ مصفىً   وأنت لحامدٍ طابٌ وسُمُّ

السيد فاتك الصافي

المتولد سنة 1930 ميلادية
المتوفى سنة 2012 ميلادية

TOP