العلامة الشاعر السيد محمد حسين السيد نعمة الصافي

من كتاب الوافي في أحوال آل السيد الصافي "طاب ثراه"


هو العلامة الفاضل الشاعر المجيد السيد محمد حسين بن العلامة المغفور له السيد نعمة الصافي. ولد في النجف سنة 1925. من أعلام اهل الفضل والنبل والذكاء واجلة الشعراء وقد بلغ المراتب العليا في تحصيل علوم الدين وتقدم بالفضل جميع أقرانه فصار محط أنظار أهل العلم ومعقد آمالهم ولو قدر له أن يستمر في هذا النهج لبلغ مرتبة الأجتهاد مبكراً لما يتصف به من حدة ذكاء وقوة بيان وعفة في اليد واللسان ولما أشتمل عليه من طموح وعلو همة ولكن النهج الخاطئ الذي درجت عليه المرجعية من عدم أحتضانها ورعايتها للنوابغ من المحصلين العرب حرم الحوزة منه والكثير من أمثاله فأضطر مكرها تحت طائلة الحاجة الضرورية لإدامة الحياة وترك تحصيله الفقهي والأنتقال إلى بغداد. يقول العلامة المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي أثناء أستعراضه لحياته في الجزء الأول من ديوانه مشيراً لهذه الناحية المهمة. من العقد أن الطالب الديني لا يوجد ضمان لحياته الأقتصادية وأخص بالذكر حياة الطالب العربي وكان المفترض أن يكون طالب العلم العربي مرعياً كما يرعى الطلبة الأجانب لأن الغاية واحدة وهي طلب العلم ولهذا السبب اضطرت طائفة متميزة من طلاب العلم وعلى كره منها إلى الأنتظام في سلك الوظائف أو أمتهان حياة الأكتساب وقد أشار لهذه الحالة وعالجها بأبيات يخاطب بها قادة العلم بقوله:

 يا قادة العلم والاصلاح مجدكم   والدين مجدُ عظيمٌ ثل وانثلما
هذي الازاهير وهي الغرس بعدكم   وكنتم قبل غرساً ناشئاً فنما
تسد بالترب افواها قد التقطت   مسامع الفضل منها الدر منتظما
وتستقي من سراب اليأس ظامئة   لأنفس فجرت أحشاؤها حكما
وتكتسي الخشن البالي وتلحدها   من البيوت سجون أطبقت ظلما
لا تبتغي رغدا في ظل ناعمة   من الحياة تدر الخير والنعما
ولا رؤى من أباريق لطائشة   من اللذائذ أضحت تعبد النغما
ولا قصوراً هي الفردوس غارقة   من النعيم تضم الحور والخدما
لكنها تبتغي قوتا إلى رمق   على الجهاد به تقوى وقد عدما

 

دراسته

إلى جانب دراسته في كلية منتدى النشر على عميدها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر والعلامة الشيخ محمد الشريعة وغيرهم فقد حرص جاهداً إلى الإستزادة من الدروس الفقهية والأصولية والعقائدية خارج المنتدى فكان يحضر على العلماء الشيخ علي سماكة والسيد محمد أمين الصافي والشيخ محمد تقي الأيرواني والسيد محمود المرعشي والشيخ علي ثامر والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ مهدي مطر كما حضر بحث السيد حسين الحمامي (رحمهم الله جميعاً).

وبعد أنتقال سيدنا المترجم إلى بغداد أتجه للدراسة النظامية فأكمل الدراسة الإعدادية وبعدها حصل على دبلوم معهد العلوم المالية والتجارية سنة 1972 بعد ذلك أتجه للعمل الحر والمترجم بالإضافة إلى علمه وتقاه فهو من الكتاب اللامعين والشعراء النابغين ترجمه صاحب موسوعة شعراء الغري فقال هو السيد محمد حسين بن السيد نعمة بن السيد محمد بن السيد الصافي الذي تعرف الأسرة بأسمه. أديب متزن وشاعر رقيق ولد في النجف سنة 1343هـ ونشأ بها على أبيه ففي بتوجيهه وأدخله المدرسة الأبتدائية فاجتازها ثم دخل المتوسطة وقبل أن ينهي الصف الثالث منها أخرجه والده وأدخله كلية منتدى النشر فدرس فيها العلوم الدينية وأنهى سنيها بنجاح وتفوق آهله لأن يعين مدرساً فيها ثم في كليتها كمدرس مقتدر وفي خلال ذلك كان يقرأ النتاج الحي ويغذي مواهبه بطيب الأسلوب والخواطر السليمة وقد نظم الشعر في هذه الفترة من حياته كما كتب المقالات التي نشرت في بعض المجلات الوطنية وتولع في البحث والتتبع فأنتج من ذلك كتابين:

  • حياة مسلم بن عقيل على ضوء البحث الحر والتصوير لعصره.
  • مناظرات الإمام الصادق (ع) مع الملاحدة.

بالإضافة إلى ديوان شعره.

وجميعها خطية والمترجم له على صغر سنه كان له وزنه بين أقرانه فقد أتزن في سيرته وتحفظ في حياته وراح ينشد الكمال بكل قوة ولكن الظرف الذي قاوم النبغاء والعاملين أقعده عن ضمان عيشه غير أن المثالية القوية التي زرعها في نفسه والده بالدرجة الأولى والمجتمع الديني بالدرجة الثانية دفعته شوطاً لأكتساب الكمال الروحي غير أن واقع الحياة تغلب على حسه فأفهمه أن الناموس المتبع لم يكن على قاعدة صحيحة فأبن المرجع الديني يعيش عيشة الملوك وهو إلى جنبه يعيش عيشة الفلاح والزي واحد والمجاملة واحدة والمغالطة تسود الجميع كل هذه الصور نبهن من حسه الرقيق ونفسه الشاعرة فرفض أن يكون مصداقاً للمغالطة وأبى أن يصبح مهزلة هادئة فأنتقل إلى بغداد حيث وجد الدنيا مفتحة جوانبها له ولكل ذكي يفهم أن يعيش.


الصافي الشاب من الموهوبين فقد نظم الشعر وأجاد فيه أما شاعريته فتدل على معين لا ينضب قد نظم الكثير من الشعر بأساليب متنوعة والذي نثبته له هو جزء يسير جداً مما قاله هذا اليسير تقرأ فيه الديباجة المشرقة والانسجام المقبول والخيال كما تقف على روحه المتدين وسلوكه النقي وكنموذج لرباعياته قوله:

((يا فجر))

يا فجر لا تصدع فؤادي الظامي   أنا بعد لم أرشف بقية جامي
لا تنشرن لواء نورك خافقاً   خفقان أضلاعي على أنغامي
ملء الفضاء نشرت أعلام الهوى   فأترك لواءك رافعاً أعلامي
زعزعت أحلامي بنورك فاتئد   حتى أودع موكب الأحلام

*****

يا فجر لا تعجل ودعني بالدجى الساجي   أذيب الحب في أنسامه
قد كنت أحذر من عيون نجومه   وإذا به مثلي صريع غرامه
فاتخذته والحب يمزج روحنا   خلا أبث تنهدي بعظامه
قد رعته يا فجر حين دهمته   فتناثرت قطعاً كؤوس مدامه

*****

يا فجر رفقاً بالظلام وسحره   أخشى بأن ينهار أو يتداعى
أن الظلام قد أستفز مشاعري   القى إليها الفن والإبداعا
أحيت كواكبه الشعور بفكرتي   وأماتت الآلام والأوجاعا
حسبي به سترا ألوذ بظله   ويقيني الأبصار والأسماعا
يا فجر مالي في طلوعك حاجه   أفدي الدجى الساجي بألف طلوع
أمسك دموعك أن تفيض فخمرتي   ما اعتدت إلا مزجها بدموعي
وأحفظ ضلوعك أن تذوب فاهتي   لم تخب وقدتها بغير ضلوعي
إن شئت تسدي لي يدا مشكورة   فذر الظلام مخيماً بربوعي

*****

كم خلف أستار الظلام مدامع   افصحن والأفواه لم تتكلم
كم فوق أروقة الظلام تعقدت   زفرات قلب بالصبابة مغرم
كم تحت أجنحة الظلام مفاتن   بالسحر ترجف كارتجاف الأنجم
كم بين أنفاس الظلام هواجس   شعرية سكرى بنجم ترتمي

 

وله قصيدة يرثي بها الإمام الحسين (ع) بعنوان:

((شهيد الطف))

يا كربلاء لأنت سفر خالد   وسع العلى والحق والإيمانا
جهدت عهود الظلم محوك فأنثت   خجلى تجر ذيولها خذلانا
وبقيت في خلد الدهور جديدة   الصفحات لما تعرف النسيانا
زخرت سطورك بالعظات جلية   من طاف حولك يلقهن عيانا
تدعين للحق المبين بنورها   وتكافحين الظلم والطغيانا
إيه لست أنسى موقفاً لك حائرا   يخز الفؤاد فيبعث الأشجانا
تدعو عتاة الظالمين ليهتدوا   لم تلق لا صحبا ولا أعوانا
لكن دعوتك الحزينة والأسى   حيناً وتطلب نجدة أحيانا
فرفعت طرفك للسماء مرقرقا   ملء الجوانح لم تجد آذانا
فحباك في الصبر الجميل وحسبه   عوناً يشد بجانبيك جنانا
وقضيت مشبوب الجوانح صاديا   أفدي حشاك اللاهب الظمآنا
أيه شهيد الطف قد أفهمتهم   أن لست تطلب فيهم سلطانا
الملك يغري من تصاغر ذلة   لا من تعاظم بالمكارم شانا
لكن قصدك أن تناضل أمة   عكفت ضلالاً لا تعبد الأوثانا
أفهمتها إن الكريم نجاره   يرد الحمام ولا يقر هوانا
أنا تقر وأنت تنظر أمة   تعصي الإله وتعبد الشيطانا
فبنيت للدين الحنيف قواعدا   أرسى وأرسخ جانباً وكيانا
لولاك ما عبد الورى الرحمانا   لولاك ما سمع الانام آذانا
فحباك ربك رحمة وجنانا   وسقى ضريحك عارضاً هتانا

 

وهذا نموذج آخر من شعره قوله سنة 1366هـ

قد أرقت الشراب من أكوابي   وعطفت الفؤاد عن أحبابي
ودفنت الأشجان طي ضلوعي   ومسحت الدموع من أهدابي
ونفضت الظلوع من سورة الحب   فلم أبق صبوة أو تصابي
لو نظرت الحقائق البيض يلمعن   بدورا تلفعت بالسحاب
لا تلمني إذا هجرت الغواني   يا شبابي فقد أطلنَّ عذابي
لا تلمني فما لديها فؤاد   كفؤادي ومثلها مثل ما بي
فالهوى كالهوان لا يرتضيه   من تردى ثوب الوقار المهاب
هي مثل الصلال إما تثنت   وتديف اللذات بالأوصاب
فقصارى حنانها لمحب   بسمة دونها خداع الذئاب
فتنة كلها ضلال وغي   تدع اللبَ في لظى وأضطراب
يا شبابي عفواً فما عدت للحب   عدوا إلا لحفظ شبابي
ليس عودي من بعدما أستيقظ   العقل بعودي ولا الرباب ربابي
قد تركت الألحان والنغم الشائق   مذ صرت تالياً لكتابي
أنا كفرت عن ضلالي وغيي   بأعتكاف في ظلمة المحراب

 

وقد أعقب أولاده السادة صفاء وباسم وعلي.

العلامة الشاعر السيد محمد حسين السيد نعمة الصافي

المتولد سنة 1925 ميلادية

TOP