هو أبو علي السيد محمد رضا بن السيد علي بن السيد الصافي طاب ثراه شخصية لامعة وفي المقدمة من أعلام أهل العلم المجاهدين الذين قرنوا العلم بالعمل الصالح ولد في النجف الأشرف سنة 1298هـ ونشأ بها في بيت من بيوت العلم المرموقة. نشأته العلمية: تلقى دراسته على أركان أسرته وبعد انتهائه من دراسة السطوح تتلمذ على آية الله المرحوم الشيخ عبد الله المازندراني ثم على آية الله الشيخ محمد طه نجف والسيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني. يقول الشيخ عبد العزيز الحلفي في كتابه ((أدباء السجون)) أثناء حديثه عن حياة سيدنا المترجم العلمية بعد تتلمذه على أشهر شيوخ عصره برع في مختلف العلوم والمعارف الدينية والأدبية واتجه بنزعته الاصلاحية الى السياسة والخوض في قضايا العصر وكتب الأستاذ حميد المطبعي صاحب موسوعة ((أعلام العراق في القرن العشرين)) دراسة بعنوان ((من هو محمد رضا الصافي)) نشرتها جريدة الزوراء جاء فيها السيد محمد رضا الصافي (1879-1942) عالم فقيه متحدث كان في مقدمة أعلام الجهاد في مقاومة السلطات العثمانية والاحتلال الانكليزي وهب في الطليعة لتأسيس الأحزاب الوطنية أثناء وضع اللمسات الأولى لبناء ونشوء الدولة العراقية الحديثة في الثلث الأول من القرن العشرين وهو عميد الأسرة العلوية ((آل الصافي)) في النجف وفي ظلالها انتج ذرية طاهرة الجذور واصلت الكفاح الوطني في سبيل عراق قومي الخطى قوي الارادة شامخ الرأس ولد في النجف. هو السيد محمد رضا بن السيد علي بن السيد الصافي بن السيد جاسم ويستمر نسبه حتى يتواشج مع جده الأعلى الإمام موسى الكاظم فهم في عرف الوثائق العلوية سادة موسوية نزح أحد أجدادهم من الحجاز الى البصرة واستقر في الجبيلة ولقب أولاده بالجبيلي وقام أحفاده وهو السيد أحمد بن السيد عبد الحسين الجبيلي بالهجرة الى النجف لتحصيل الدرس العلمي الفقهي في جامعتها العلمية ودرس وتتلمذ لأشهر علماء الفقه والأصول والحكمة وكان ذلك في حدود الثلثية الأولى من القرن الحادي عشر الهجري وتدلنا إجازاته العلمية على اجتهاده في المسألة الفقهية وبراعته في الأحكام الشرعية وقد أعقب ابنه السيد عبد العزيز الجبيلي الذي تقدمه وثائق التاريخ النجفي عالماً متبحراً في علمه وكان نسابة تضلع بأنساب العلويين وتشجير أنسابهم بالتثبيت النسبي وتوثيقه وترك كتابا خطيا في النسب بعنوان ((حدائق النسب)) أصبح مرجعاً لمن ألف في الأسر العلوية وبعد وفاته سمي بيته بيت عبد العزيز فعرفت أسرته في كتب المؤرخين بأسرة ((السيد عبد العزيز)) دليلاً على شهرته وعلو منزلته العلمية في زمانه ثم جاء زمن على بيته فنبغ فيه أحد أحفاده وهو السيد الصافي الذي تألق في اجتهاده العلمي وقد أعقب ولدين كان لهما شأن موثق في كتب الاعلام هما ((السيد محمد والسيد علي)) ولأن والدهما السيد الصافي بقى أقوى شهرة منهما في العلم فقد أطلق الناس على أسرتهم لقب الصافي ومن السيد علي ظهر السيد محمد رضا الصافي الذي وجد في لقبه هذا خير امتداد لتأريخهم العلمي فبقي على ابقائه حياً متدفقاً في أصالته وثمة عدة أسر تنتشر في العراق وهي تحمل لقب الصافي وليس كلهم ينتمون الى عمود نسبي واحد فأي منهم اتصل بعمود نسب السيد أحمد الجبيلي بحسب تسلسله الذري فهو من أسرة السيد محمد رضا الصافي ولأن الأسر الأصيلة تنسل رجالها على سياق الأصالة المعرقة فقد ولد السيد محمد رضا الصافي متشبثاً بجذوره الأولى عربياً فطري الذكاء وتجلت على ولادته رحابة في القيم ومثلها رحابة في تسامحه ووطنيته وشهامته وثباته في المواقف المحرجة وفي الثانية عشرة من عمره لبس العمة رمز العلم وقرأ على رجال العلم مبادئ الشرع وفي عشرينياته حضر عند العلامة طه نجف فأتقن دروسه العلمية وأجيز فيها وكان في الوقت نفسه يجلس بقرب كرسي العلامة حسين الحمامي ويستمد منه علم الأصول وأجيز فيها ثم تعلم الشعر في المجالس الأدبية وتميز بشعره الذي يزخر بالدفق الوطني ونشر بعضاً منه في الدوريات النجفية وفي المجلات اللبنانية وقام البحاثة علي الخاقاني بنشر اضمامة من قصائده في موسوعته شعراء الغري في أواسط الخمسينات. لكن السيد الصافي وقد أصبح عميداً علمياً ونسبياً لأسرته حول علمه وفقهه وشعره الى قضية وطنية يدافع فيها عن وطنه الذي كان يئن من الضغط العثماني فانضم الى طبقة الأحرار تلك التي نادت بالتعددية الديمقراطية والتي عرفت في زمانه ((بالمشروطة)) وكان بيت السيد الصافي من جملة بيوت في النجف يجتمع فيه أحرار العلم مطالبين بالحرية ومنتقدين عالياً ظلم الايرانيين والعثمانيين وكان للسيد محمد رضا شقيقان الأول شاعر هو أحمد الصافي النجفي والثاني عالم متبحر هو السيد محمد أمين الصافي وأخ ثالث عابد زاهد منقطع عن الدنيا هو السيد هادي الصافي وقد انضم شقيقاه الى طبقة الأحرار فكان بيتهم كله منبراً يعلن الانتماء الى العصر وكان عصرهم عصر تحرر يبحث عن فكرة الاستقلال من قيود الامبراطورية العثمانية وفي الحرب العالمية الاولى احتل الانكليز مدينة البصرة ونهض السيد الصافي بأعباء دوره الوطني وشرع يحث رجال الاجتهاد العلمي على مقاومة الغزو البريطاني واصطف في مقدمة موكب الجهاد على فرس وبيده السيف وبقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي أبحر موكبهم الى الشعيبة في البصرة وهناك دارت واقعة الجهاد لمقاتلة الغزاة وأدى دوره بشرف وعاد الى النجف والشعلة الوطنية لازالت تتقد في أعماقه بل وتصاعدت وطنيته في طرد المحتلين الانكليز بخطبه على العشائر وفي مجالس الأدب وينضم الى جمعية النهضة الاسلامية سنة 1918 وهي الجمعية التي مثلت دماغ الثورة على قتال الانكليز والتي خططت لقتل الحاكم البريطاني في النجف (مارشال) وتتسع شرارة الثورة في الفرات الأوسط ويهيئ السيد محمد رضا بيته ويجعله مقراً دائماً لقادة الثورة فهو أول عالم من النجف دعا الى بيته مشايخ الفرات علوان الياسري وعبد الواحد آل سكر ومحمد العبطان وقال لهم ((ثوروا فالإنكليز كفار)) وجميعهم أشعل فتيل ثورة العشرين وعلى اثر تضعضع جبهات الثورة العراقية زج السيد الصافي في سجن الكوفة وحوكم وحكم بالإعدام ونقل إلى سجن الحلة مع كوكبة من المجاهدين ثم خفف حكم الاعدام الى السجن ولم تحبط مشاعره الوطنية فأخذ يخفف من معاناة الثائرين بتأليفه شعراً في الحماسة وشعراً في مواصلة الجهاد بعضه منشور وبعضه محفوظ لدى أسرته وجميعه يشكل وثيقة أرخ فيها جانباً مهماً من جوانب ثورة العشرين وأطلق وعرضت عليه مناصب في الدولة والادارة فرفضها كرهاً في الاغراء المصطنع لكنه لم يكره الانضمام الى جبهة الأحزاب الوطنية فانتسب الى الحزب الوطني سنة 1922 قائلاً لرئيسه جعفر أبي التمن ((اجعلوني مؤازراً لا موظفاً)) وفي سنة 1930 زاره ياسين الهاشمي ومعه رشيد عالي الكيلاني في بيته وقالا له كن معنا في تأسيس حزب الاخاء الوطني فوافق مبتسماً ومشترطاً أن لا يكون وزيراً في حكومتهم ودأب على هذا المنهج المستقيم حرا بلا سقوف ومرشدا دون مواعظ وعقلاً وطنياً خالصاً أنقى من الكراسي جميعها. وفي ظل استقامته ولد عقبه وأكبرهم الدكتور علي الصافي من جيل القوميين الأوائل ومؤسس نادي البعث العربي سنة 1951 ووزيراً للاقتصاد سنة 1954 والمحامي السيد حسين الصافي وزير العدل ونقيب المحامين العراقيين في بداية السبعينات والأديب المحامي عبد العزيز الصافي والمحامي فاتك الصافي من رفاق حزب البعث القدامى ومحافظ القادسية والسيد محمود الصافي رئيس بلدية النجف ثم قائمقام النجف بعد ذلك وكان والدهم قد تنبأ بذرية له تنهج نهجه في الاستقامة الوطنية وهو منذ كتب له أو عليه أن يجاهد في الحياة اختار الصمت تعبيراً عن دوره المجاهد وكان صمته بليغاً أيما بلاغة وهو ما يناسبه عالماً كبيراً وجهاداً وبذلاً وأسرة واحتشاماً.
كان عصره رحمه الله مفعماً بالحوادث السياسية الجسيمة فيما يرتبط بالنجف لمركزها الديني مما يتسع فيه المجال لبروز الرجال أولي البأس والحمية الوطنية وأول تلك الحوادث في استفزاز الشعور في النجف حادثة الدستور المعروفة بالمشروطة والمستبدة وقد انعكست آراؤها في النجف لوجود عدد من العلماء الايرانيين فيها وقد اختلف أنصارهم فيها فأوجب ذلك انقسام في الرأي وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد العثماني وقد لاقت فكرة الدستور في النجف مقاومة عنيفة من الحكومة العثمانية المستبدة وكان المرحوم السيد محمد رضا في تلك الفترة الحرجة من أنصار الدستور ومن أقطاب الدعاة له ومن تلك الحوادث هجوم الانكليز على العراق سنة 1330هـ وعندما أعلنت النجف الجهاد ضد الإنكليز هرع العراقيون لتلبية الواجب وخف العلماء إلى ساحات القتال وكان المرحوم السيد محمد رضا في مقدمة الصفوف وأثناء القتال اتضح لقادة الثورة موقف الشيخ خزعل أمير عربستان الممالئ للإنكليز وعدم استجابته لفتاوى العلماء فوقع اختيار قادة الثورة عليه وعلى ابن عمه السيد محمد جعفر الصافي وتكليفهم بالسفر الى أمارة عربستان والاتصال بالسادة السيد جابر السيد مشعل والسيد عناية السيد رمضان زعماء السادة البو شوكة ودعوتهم للثورة والتمرد على الشيخ خزعل فلبيا الدعوة وقبول التكليف وحمل وابن عمه فتاوى الجهاد وسلكا طريق محافظة العمارة آنذاك وأثناء اجتيازهما الحدود ألقي القبض عليهما من قبل قيادة الجيش العثماني وأودعا في مقر رئاسة أركان الحرب في القيادة العامة للجناح الأيسر للجيش وبعد يومين من اعتقالهما أمكن التعرف على هويتهما من خلال التحقيق الذي أظهر لهم بأن مهمتهما هي لنصرة الجيش التركي المسلم والعمل ضد الانكليز الكفرة. بعدها زودا بوثيقة عدم تعرض إثر إطلاق سراحهما والوثيقة لازالت تحت يدي وأثبت في أدناه نص ترجمتها الحرفية:
((رئاسة أركان الحرب للقيادة العامة للجناح الأيسر))
في الجناح الأيسر من ساحة الحرب حضر السيد محمد رضا الصافي وهو يعتزم العبور الى الجانب الأيسر من نهر كارون لغرض دعوة عشائر كعب والباوية وكذلك ابن عمه السيد عناية وإرشادهم الى الطريق المستقيم لتأدية فريضة الجهاد واذ يتوفر فيه حسن القابلية واللياقة وكذلك ابن عمه السيد محمد جعفر فعلا المصلحة الحربية اقتضت أن يسافرا ويعودا الى النجف فيرجى من الحكام المحليين في الجهات التي تحت سيطرتهم أن يقوموا بالتسهيلات اللازمة بالجهات العائدة لهم ولذلك زودوا بهذه الوثيقة في 26 نيسان 1331هـ.
ختم
مقر قيادة الجيش الأيسر
فاستأنفا سفرهما ولدى وصولهما اجتمعا إلى السيد جابر السيد مشعل في الدورق وإلى السيد عناية السيد رمضان في كارون والى السادة آل سيد سحاب في الجراحي والسادة المذكورون رؤساء عشائر السادة البو شوكة وبعد أن قرئا عليهم فتاوى العلماء بوجوب جهاد الإنكليز كان من نتائج ذلك ثورة السيد جابر المعروفة والتي سبقت الاشارة إليها وعند عودتهما ووصولهما إلى الحويزة أرسل ابن عمه السيد جعفر الى النجف لإخبار قادة الثورة وتقدم صفوف المجاهدين الذين كانوا بقيادة توفيق الخالدي ألف جيشاً بالتعاون معه من المجاهدين لمهاجمة الانكليز وقواتهم المرابطة في شط كارون وبعد الوقائع الحربية المهمة لم يستطع العثمانيون الصمود أمام الانكليز فانسحب رحمه الله من تلك المناطق وعاد مع العلماء الآخرين في جبهات القتال الأخرى الى النجف وأثناء مواصلة الجيش العثماني انسحابه ووصوله إلى الصويرة وصل النجف القائد محمد فاضل باشا الداغستاني لاستنهاض همم العلماء وقد استجاب السيد محمد رضا لدعوته مع عدد من العلماء وعادوا لاستئناف الجهاد ومقاتلة الإنكليز وبعد فترة من وصولهم اندحر الجيش الانكليزي إلى الكوت وحوصر هناك ثم استسلم وعاد العلماء إلى النجف.
يقول الدكتور علي الوردي في الجزء الخامس من كتابه الموسوم (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق)ما يلي: اتفقت الآراء على أن أول من نادى بالثورة المسلحة في الفرات الأوسط هو السيد علوان الياسري وان أول من أيده في ذلك هو السيد محمد رضا الصافي ويحدثنا جعفر الخليلي عن ذلك فيقول ما نصه ((لقد لقي المرحوم السيد محمد رضا الصافي المرحوم السيد علوان الياسري في أبي صخير وكان الصافي يتردد عليه لمعالجة شؤون بساتين له هناك وألفى السيد علوان غاضباً يكاد ينفجر من الغيظ ولم يكن السبب غير أن السيد علوان شهد بعينيه كيف أهان حاكم أبي صخير الإنكليزي العسكري رجلاً من الوجوه حين طرده من أمامه ذليلاً فخرج السيد علوان وهو أشد ما يكون انزعاجاً وقد أفاض للسيد محمد رضا بأسباب انفعاله وأسمعه الشيء الكثير من كرهه للإنكليز وحكومتهم فبادله السيد محمد رضا الرأي وتحدثا طويلاً وتطرقا في أحاديثهما إلى أن الخلاص من الإنكليز لا يتم الا بالعمل وإن الاهتداء إلى كيفية النهوض بالعمل لا يتم في هذا الموقف على قارعة الطريق وافترقا على أن يجتمعا في النجف وعلى أن يتذاكرا ملياً مع الجماعة الآخرين لإيجاد المنفذ الذي يلجون منه للحرية ويتخلصون من هذا الكابوس الجاثم على صدورهم)) ثم يستطرد الدكتور الوردي فيقول لدينا رواية أخرى عن هذا الالتقاء الذي جرى في أبي صخير بين السيد علوان والسيد محمد رضا الصافي وجدتها في مذكرات السيد محمد أمين الصافي وهو أخو السيد محمد رضا الصافي ولابد أنه سمعها من أخيه وهذا نصها. حينما اشتد ضغط الإنكليز في أيام الاحتلال وكان السيد محمد رضا تضطره أملاكه الى الاتصال بالحكومة في أبي صخير والديوانية وكان يلتقي هناك معظم زعماء الفرات الأوسط والكل منهم متأثر من الوضع السيء والمعاملة الخشنة التي تعاملهم بها حكومة الاحتلال مما لم يألفها العرب وكان ممن اجتمع به في أبي صخير السيد علوان الياسري وكانا كلاهما متأثرين أشد التأثر من الوضع السيء الذي أهان كرامة الزعماء وقد ذكر السيد محمد رضا للسيد علوان ان الوقت قد حان للعمل والتضحية لاستخلاص البلاد من الانكليز فراقت الفكرة للسيد علوان وتضامنا هناك على العمل وبعدها جاء السيد علوان الى النجف وقصد السيد محمد رضا في داره وبعد لقائهما اتفقا على توسعة الفكرة ونشر الحركة واقناع من يجدون فيه اللياقة وأول من وقع عليه اختيارهم الحجة الشيخ عبد الكريم الجزائري فدعي إلى دار السيد محمد رضا واجتمع إليهم سوية وبعد مناقشة الأمر من جميع نواحيه اتفق معهم الشيخ عبد الكريم الجزائري وهكذا نبتت الفكرة وأحكمت الدعاية فابتدأت المطالبة السلمية ثم الدموية ثم الثورة.
ويشير الشاعر السياسي الشهير الأستاذ محمد حسين فرج الله إلى دور فقيدنا الراحل في التهيئة للثورة من قصيدة له يخاطب فيها ابنه المرحوم السيد حسين الصافي بقوله:
يا ابن الذي أول نبراس لجيلنا وقد |
وأيقظ العزم وكان العزم في نوم رقد |
ونافح السكسون في حرب سعيرها اتقد |
ويمضي الدكتور الوردي الى القول لا ندري على وجه اليقين متى حدث الالتقاء بين الصافي والياسري ويرجع ظني أنه حدث في ربيع 1919 وقد أخذ الياسري منذ ذلك الحين يبث الدعوة بين شيوخ العشائر وصارت الدعوة تنمو بمرور الأيام ثم يمضي الدكتور الوردي فيقول: بعد ذلك عقد اجتماع سري في كربلاء في دار السيد أبو القاسم الكاشاني الملاصقة للصحن الحسيني وقد حضر الاجتماع السيد نور الياسري وجعفر أبو التمن وعبد الكريم الجزائري وعلوان الياسري وكاطع العوادي ومحسن أبو طبيخ وهادي زوين ومحمد رضا الصافي وعبد الواحد الحاج سكر وشعلان الجبر ومجبل الفرعون وعبادي الحسين ومرزوك العواد وشعلان آل عطية وسعدون الرسن وعلوان الحاج سعدون وهبة الدين الشهرستاني وعبد الوهاب الوهاب وحسين القزويني وعمر علوان ومهدي القنبر وطليفح الحسون ورشيد المسرهد وعبد الكريم العواد وغيرهم وقد تداول المجتمعون في أمر القيام بالثورة المسلحة ومفاتحة الإمام الشيرازي بذلك وبعد مفاتحة الإمام الشيرازي بذلك وبعد مفاتحته بوفد منهم قال ((ان الحمل ثقيل وأخشى أن لا تكون للعشائر قابلية المحاربة مع الجيوش المحتلة)) فأكدوا له أن العشائر لها المقدرة التامة على
القيام بالثورة فقال لهم أخشى أن يختل النظام ويفقد الأمن فتكون البلاد في فوضى وأنتم تعلمون أن حفظ الأمن أهم من الثورة بل أوجب منها فأجابوه بأنهم قادرون على حفظ الأمن والنظام وأن الثورة لا بد منها وهنا قال لهم (( إذا كانت هذه نياتكم وهذه تعهداتكم فالله في عونكم)) وعندما خرجوا تبعهم ابنه محمد رضا وأوضح لهم مؤدى قول والده هو افتاء بالثورة على الانكليز وفي هذه الليلة عقد اجتماع آخر في دار السيد نور الياسري في كربلاء وأعقبه توجه الحاضرين الى ضريح الحسين (ع) حيث أقسموا بالقرآن على انجاز ما اتفقوا عليه ومن حنث بيمينه فهو ضال آثم وهكذا بدأت الثورة. أقول هذا بعض من أسباب تهيئته للثورة رحمه الله وعند نهاية الثورة واستسلام مدينة النجف للإنكليز ألقي القبض على سيدنا المترجم وسيق إلى سجن الكوفة ثم إلى سجن الحلة ثم حكم عليه بالإعدام بعد محاكمة صورية ثم استبدل الحكم الى السجن المؤبد وعند تشكيل أول حكومة عراقية أطلق سراحه من السجن وفرضت عليه الاقامة الإجبارية في الحلة مدة أربعة أشهر ثم رفعت عنه وعاد الى النجف وبقي مناضلاً عن شعبه وعند تأسيس حزب الإخاء الوطني كان أحد أعضائه المؤسسين ومن أعضاء الهيئة الادارية كما ترأس هيئته في بعض الأحيان وقد عرضت عليه المناصب العليا في الدولة فأباها جميعها ثم عرضت عليه سدانة الحرم العلوي أيام حكومة ياسين الهاشمي فرفضها أيضاً مفضلاً الخدمة العامة في صفوف المعارضة حتى حدثت ثورة مايس 1941 فكان من أبرز أنصارها ولولب الاسناد لها في النجف وفي صفوف العلماء وأوساط المرجعية الذي تجلى في تبني المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري للثورة ودعمها والإفتاء بوجوب نصرتها وبعد فشل الثورة وعودة عبد الاله الى الحكم وإعدام الضباط الشهداء يونس السبعاوي ورفاقه لقي سيدنا صنوف الأذى وهو يعاني من مرضه العضال.
إن أهم عامل في حياة السيد محمد رضا العلمية والأدبية فضلاً عن بيئته العلمية والأدبية وكون تحدره من أسرة شاعرة وانصرافه للتحصيل هو اختلافه لندوة المرحوم حسين آل معز القزويني وتأثره فيها حيث كانت أهم ندوة يرتادها وهو في مقتبل عمره وهي ندوة حافلة بأعلام العلماء وأفاضل الأدباء وقد بدأ بنظم الشعر مبكراً وتميز شعره بالفخر والحماسة وتمجيد آل البيت (ع) وحث الناس على الجهاد والثورة. يقول الدكتور يوسف عز الدين في كتابه خيري الهنداوي حياته وشعره في معرض حديثه عن شعراء الفترة التي سبقت الثورة العراقية وتخللتها إن الشاعر السيد محمد رضا الصافي من الشعراء الذين حولوا الشعر إلى أوتار وطنية وجعلوا منه مسابقة من مسابقات خدمة الوطن ويقول الدكتور يوسف أيضاً في كتابه ((الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسية والاجتماعية)). كان المستعمر يريد أن يجعل من العراق بلداً تابعاً للهند وظنه سيرضخ بسهولة بالسجون التي يحكم بها والاعتقالات والمنافي التي يزج فيها أبناء الشعب الأحرار ونسي ان هذه الأعمال أثارت في نفوس الشعب الحقد والكراهية للاستعمار وبدا ذلك واضحاً بالتصلب الذي أبداه الشعب بالتمسك بمطالبته بالاستقلال دون خوف من التضحيات والآلام التي كان يصبها عليهم المستعمرون وقد عكس هذا الرأي السيد محمد رضا الصافي بشعره الذي نظمه في السجن وكان قد عرض على المشنقة وعفي عنه قال:
إن من رام مثلما قد طلبنا | لا يبالي ان سيق للسجن سوقا | |
رخصت عندنا النفوس فثرنا | نطلب العز والعلى لا لنبقى | |
ولقد سامنا العدو احتقارا | فرآنا نسابق الموت سبقا | |
أنا من أسرة كرام أباة | لا يرون الحياة في الذل أبقى | |
شرع أن يكون موتي حتفا | أو أراني يكون موتي شنقا |
ويصفه الدكتور ضياء الدين أبو الحب بمحاضرته المنشورة في صحيفة العدل بأنه من رواد الأدب الملحمي الذي خاضوا سوح النضال والكفاح في الثورات والانتفاضات وفي مناجزة المعتدين الأرجاس ويعبر عنه المرحوم سلمان الصفواني في صحيفته اليقظة في مقال مكرس لذكرى ثورة العشرين بقوله ان السيد محمد رضا الصافي من أبطال الثورة وشعرائها الذين تحدوا السجن والموت.
ويقول الدكتور محمود السمرة رئيس الجامعة الأردنية بمقالته المنشورة بمجلة العربي الكويتية ان السيد محمد رضا الصافي من شعراء العراق الذين امتاز شعرهم بالنقمة المتدفقة في محاربة الاستعمار ومناوئة المحتلين الإنكليز. ويقول المرحوم علي الخاقاني في كتابه شعراء الغري أثناء ترجمته له بعد تسليم مدينة النجف واحتلالها ألقت سلطات الاحتلال القبض على المرحوم السيد محمد رضا الصافي وأودعته في سجن الكوفة فقال:
وطني حبذا زججت زمانا | في سجون وأنت حرٌ مصان | |
لا أراني ربي أراك مهانا | وأرى معشري جميعاً تهان | |
وأراني على المشانق أدعو | وأنادي بمن نمى قحطان | |
أيها العرب للحفيظة هبوا | قد تداعت من مجدكم أركان | |
واجعلوها شعاركم فوق جرد | أيها العرب الطعان الطعان |
وروى لي المرحوم الشيخ هادي لايذ فقال طلب الي المرحوم السيد محمد رضا عند اعتقاله مرافقته لأقوم على خدمته وتهيئة القهوة له وكانت السلطات المحتلة تسمح بذلك للقادة وعلية القوم فقط فاستصحبني معه رحمه الله وعندما أودع في سجن الكوفة كنت أهيء له قهوة الصباح وفي أحد أيام اعتقاله سمعته يرتجل هذه الأبيات فسجلتها على لسانه هازئاً فيها بسجنه وسجانيه واصفاً حاله ومضايقة حراسه جنود الاحتلال له قائلاً:
وادخلوني حجرة | مكبراً مهللا | |
السيك عند بابها | يحرسي قد حملا | |
من السلاح بندقا | وأبيضاً منصلا | |
((فهرد سنك)) تارة | ((وعمر سن)) اذا انجلا | |
وقهوتي هادي غدا | يصنعها منشغلا | |
والرزق يأتي ((مسلم)) | به وشايي سهلا | |
بشرى رفاقي عندما | أدعى غداً لأُسألا | |
فإن يك النطق له | مشتريا مستقبلا | |
أريه عقد جوهر | منظما مفصلا | |
وان يكون المشتري | سما وقولي جملا | |
يعذرني صحبي إذا | اخترت الفنا أو الفلا |
ويقول العلامة الشيخ عبد العزيز الحلفي في كتابه أدباء السجون بعد اعتقال السيد محمد رضا الصافي نقل من موقف الكوفة الى سجن الحلة وأودع فيه باعتباره من قادة الثورة وموجهيها وفي داخل السجن حكم عليه بالإعدام ونصب الإنكليز المشنقة لإعدامه ثم استبدل الحكم عليه بالسجن وقد وضع في سجنه نشيداً قومياً طافحاً بالروح الوطنية وكان المعتقلون ينشدونه دوماً خوفا أو وجل وقد تناول الشاعر أحمد الصافي النجفي أخو الشاعر هذا النشيد فخمسه وفيما يلي النص والتخميس وهو بعنوان:
((العزم والياس))
اننا في سوى العلى ما رغبنا | نملأ الكون رهبة ان غضبنا | |
ما جزعنا للسجن يوم غلبنا | إن من رام مثلما قد طلبنا |
لا يبالي ان سيق للسجن سوقا
نحن قوم عن العلى ما قصرنا | حيثما دار كوكب العز درنا | |
واذا جار حادث الدهر جرنا | رخصت عندنا النفوس فثرنا |
نطلب العز والعلى لا لنبقى
قد خلقنا دون الورى أحرارا | وامتلكنا التيجان و الأمصارا | |
وجعلنا لنا المعالي شعارا | ولقد حاول العدو اختبارا |
فرآنا نسابق الموت سبقا
ان ذلي موتي وعزي حياتي | ما انثنت للعدو يوماً قناتي | |
انا فرع من دوحة المكرمات | أنا من أسرة كرام أباة |
لا يرون الحياة في الذل أبقى
أنا لما أسرت لم أبد ضعفا | لا ولم أرج من عدوي عطفا | |
ولقد قلت والردى بي حفا | شرع أن يكون موتي حتفا |
أو أراني يكون موتي شنقا
أقول وقد شطر هذه الأبيات الشاعر السيد جواد الصافي بقوله:
(إن من رام مثلما قد طلبنا) | لسعى في الجهاد حقاً وصدقا | |
واذا ما مشى بعزم دؤوب | (لا يبالي ان سيق للسجن سوقا) | |
(رخصت عندنا النفوس فثرنا) | نتحدى في الحق غرباً وشرقا | |
نحن نسعى وليس نخشى حتوفا | (نطلب العز والعلى لا لنبقى) | |
(ولقد حاول العدو اختبارا) | لقوانا وشاء صهرا وطرقا | |
واحتوانا في حلبة الموت يوما | (فرآنا نسابق الموت سبقا) | |
(انا من أسرة كرام أباة) | هاشميين باركوا المجد رزقا | |
الأعزاء في حياة وموت | (لا يرون الحياة في الذل أبقى) | |
(شرع أن يكون موتي حتفا) | وهو حق حتى وان هو شنقا | |
وأراني على فراشي موتي | (أو أراني يكون موتي شنقا) |
يقول الأستاذ جعفر الخليلي في محاضرته الموسومة بـ((العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية)) ان المجالس النجفية إحدى الركائز الأساسية التي جعلت من النجف بيئة شعرية وكان مجلس المرحوم السيد محمد رضا الصافي من المجالس النجفية الشهيرة في هذا المجال ويقول أيضاً في مقالة له نشرتها مجلة أفكار الأردنية بعددها الثامن والثلاثين ما يلي: من المجالس والدواوين المشهورة في النجف الأشرف اليومية كان ديوان آل الصافي الذي تثقف عليه أحمد الصافي النجفي إضافة للدروس التي كان يتلقاها وهو ديوان اعتاد أن يرتاده خيار الطبقات من أهل العلم والشعراء المعروفين في النجف الذين كانوا يمثلون أئمة الشعر في العالم العربي أمثال الشيخ محمد رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي ومحمد مهدي الجواهري وأحمد الصافي. ويقول صاحب موسوعة شعراء الغري المرحوم علي الخاقاني أثناء حديثه عن ندوة سيدنا الراحل ان مجلس السيد محمد رضا كان نادياً من النوادي المعروفة التي تضخمت في سمعتها ومعنوياتها وكان ملاذاً نلوذ به من عادية المنافقين وكنت أشاهد الانتصارات التي كنا نحرزها بسبب ناديه الذي كان يتولى الدفاع فيه عن النابهين والمثقفين ودعاة التجديد بالإضافة له اثنان من العلماء اللبقين هما حجة الاسلام السيد محمد أمين الصافي أخوه والشيخ محمد جواد الجزائري شقيق الحجة الجزائري وكنا نقرأ في ذلك الوقت الصحف اليومية في بيته فقط لأن قراءتها محظورة آنذاك. ويقول الشيخ الخاقاني في مقدمته لكتاب الحجة الشيخ محمد رضا فرج الله الموسوم بـ((الاسلام والايمان)) أثناء ترجمته للشيخ وحديثه عن نوادي النجف العلمية فيقول تحت عنوان ((نادي آل الصافي)) هذا النادي عريق في نشأته وطني في نزعته أسسه الجد الأعلى لهم ((السيد عبد العزيز)) الذي امتلك بالإضافة الى علمه أكبر مكتبة أثرية في حينه حوت الألوف من المخطوطات النادرة والمزخرفة يوم ان عز الكتاب حتى على الأمراء والوزراء واستمر هذا النادي طوال ثلاثة قرون يواصل انعقاده وسلوكه العلمي والأدبي ويحتضن الأفذاذ من الرجال من أبنائه والتابعين لهم بإحسان وأظهر اعلاما ساهموا في تكوين الحكم الوطني بعد ثورة العشرين حيث قدم الضحايا من أرواح وأموال وسهر متواصل وتعذيب كان اخرها صدور أحكام الاعدام بحقهم من قبل الإنكليز المحتلين وفي مقدمتهم الفذ السيد محمد رضا الصافي وأخوه أحمد ولم يهدأ هذا النادي كغيره أو تفتر عزيمته بل واصل العطاء في الرجال فكانت حصيلته الأخيرة العلامة الكبير السيد محمد أمين وأشبال السيد محمد رضا الخمسة فقد واصلوا عقيدتهم الوطنية بوضوح وساهموا في خدمة المجتمع العراقي والعربي.
ويروي الشاعر المرحوم السيد نوري شمس الدين في مذكراته الخطية أنه كان من الملازمين لندوة السيد محمد رضا والمختلفين لمجلسه وصادف في أحد الأيام أن قدم الى المجلس يقول فوجدته محتشداً بأكابر الطبقات كالشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد رضا الهندي والشيخ علي الشرقي والشيخ حميد السماوي والشيخ مهدي الحجار والشيخ مهدي مطر والشيخ محمد طاهر الشيخ راضي والشيخ صالح الجعفري والشيخ عبد الرزاق محي الدين والشيخ محمد رضا المظفر والسيد أحمد الهندي بالإضافة لأخوي صاحب المجلس حجة الإسلام السيد محمد أمين وشاعر العرب السيد أحمد وكان السيد أحمد والجواهري يسخرون من دهاقنة الأدب القديم وبينما كان النادي يتساجل كل باختصاصه من فقه وأصول ومعارف وبيان وإذا بالسيد خضر القزويني يتسنم منبر الأداء والإنشاد الذي كان يجيده. عند ذلك اشرأبت أعناق الحضور الذي كان في مقدمة من أسلفت العالمان الشهيران حجج الإسلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الجزائري وبينما هم بانتظار الاستماع لما سوف ينشده السيد خضر سيطر الهدوء فشق غباره صوت السيد القزويني بالقصيدة الشهيرة التي مطلعها:
بدع تشب فتلهب المحن |
وهوى يهب فتطفأ السنن |
|
وثلاثة عمر الوجود بها |
فتن وفتان ومفتتن |
|
جل يا جموح الغي معتسفا |
بث العنان وأطلق الرسن |
|
أمن اللبى يا ضرع قيحك أم |
من ضرعك التقييح يا لبن |
الى آخر القصيدة المثبتة في ديوان العلامة الشيخ عبد الحسين صادق فكثر الزعاق والاستحسان والكل يهتفون لمن هذا الشعر عندها أشار المنشد الى العلامة الكبير الشيخ محمد تقي صادق وعندما علم الشيخ كاشف الغطاء ان القصيدة هي من نظم الشيخ آل صادق قال لقد عرفنا ان هذا الشذا الفياح من ذلك الوادي وطلب إعادة تلاوة القصيدة من أولها فقال له بعض العلماء الحاضرين ان آذان الغروب قد أوشك فأجابهم رحمه الله ((ان هذا عندي أفضل من الصلاة)) وهكذا استمر السيد بالإنشاد والحاضرون في الاستحسان والأستعادة الى نهاية صلاتي الغروب والعشاء وقد علت على شفاه الحضور بسمة فحواها إننا لا ندري ان هناك شعراً أفضل من الصلاة على سبيل الدعابة مع الشيخ حتى مضت أيام وأيام والناس يذكرون هذه القصة بفيض من الاستغراب والاستحسان وكل يقول حرس الله الشيخ الذي مكننا من الاستماع لهذه الدرر الغوالي مع الاستغفار الى الله عن تأجيل اداء الصلاة في حينه وقد كانت لندوة المرحوم السيد محمد رضا يد طولى على النهضة الأدبية والأثر الفاعل في بلورة شاعرية الكثير من الشعراء منهم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الذي اتخذ من ندوة السيد محمد رضا منتدى لقراءة شعره وما كان يخلو أسبوع من قراءة لإحدى قصائد الفرطوسي في ديوان السيد الصافي.
ويصف الحجة السيد محمد أمين الصافي نادي أخيه في مقطوعة أرسلها لأخيه الشاعر السيد أحمد في دار غربته اثر وفاة أخيه السيد محمد رضا يقول فيها:
يا غريباً وكل شيء غريب |
فيك حتى محبة الاغتراب |
|
وغريب أن لا تحن لأحباب |
وأنت الحبيب للأحباب |
|
ان نبرات صوتك العذب |
لازالت بسمعي بوقعها الخلاب |
|
يوم كان النادي يفيض جلالا |
بطريف العلوم والآداب |
|
يوم فصل الخطاب كان لدينا |
وخطاب نلقيه فصل الخطاب |
|
يا شقيقي لا بعدتم فهذا |
لاغتراب وآخر للتراب |
وقد أشار كل من كتب مؤرخا ثورة العراق الكبرى عام 1920 الى دار السيد محمد رضا وندوته التي شهدت عقد أول اجتماعاتها السرية والعلنية ويجدر بالذكر القول ان الدار هي نفس دار جده الإمام السيد عبد العزيز قدس سره ومقر سكناه ولازال هذا المجلس الندوة عامراً حتى اليوم بابنه السيد محمود حيث يختلف اليه علية القوم من أهل العلم والأدب والوطنية وقد أشار الشاعر محمد حسين بن العلامة الشيخ منصور المحتصر الى مجلس صديقه السيد محمود الصافي بقوله:
محمود كاسمك أنت محمود |
وشخصك لن يملا |
|
يا لطف مجلسك الذي |
بالصحب تجتمعون ليلا |
|
أنا كلما قد زرتكم |
أجد النفوس لديك جزلا |
|
حتى الطريق يكاد يهتف |
قائلا أهلا وسهلا |
ويشير لهذا المجلس صديق صاحبه المرحوم الشيخ جميل حيدر في صدر رسالة له بقوله:
قل لمحمود نضر الله فيه |
طيب ديوانه لدى الأصدقاء |
|
أخجلت كفك السجايا فماذا |
يصنع القاصرون غير الدعاء |
انتقل الى جوار به مساء يوم 12 ربيع الأول سنة 1361هـ وبفقده فقد انطوت صفحة من صفحات العلم والوطنية والمروءة ونكس علم من أعلام الجهاد والإباء وقد كان يوم تشييعه من أيام النجف المشهودة حيث أغلقت الأسواق وعطل المراجع أبحاثهم ومشى في تشييعه العلماء الأعلام وعليه القوم رؤساء ووجهاء وبعد أداء مراسيم التشييع والصلاة عليه ووري جدثه الطاهر في مقبرته الخاصة وقد أبنته الصحافة العراقية ورثاه الشعراء وأرخ وفاته العديد منهم ومنهم العلامة السيد موسى بحر العلوم بقوله:
طوبى لقبر حل في لحده |
من آل فهر بطل باسل |
|
فقلت من طالع تاريخه |
(نجم الهدى بعد الرضا آفل) |
كما أرخ وفاته العلامة الشاعر السيد محمد الحلي بقوله:
لثورة الحق مضى مجاهدا |
صافي النوايا اذ غدا عميدها |
|
فاكتسب الرضوان في فردوسه |
ونفسه نالت به خلودها |
|
لذاك شرعة النبي جده |
قد أرخت (نعى الرضا فقيدها) |
وبعد إنقضاء مجلس الفاتحة التي أقامها أبناؤه أقام حجة الاسلام المرحوم السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة أعقبه أخوال أبنائه بإقامة مجلس فاتحة وعزاء على روحه في مضارب عشيرة البو حسان في الرميثة.
وقد أعقب أولاده الأعلام الدكتور علي الصافي والمرحوم المحامي عبد العزيز الصافي والمرحوم المحامي السيد حسين الصافي والمحامي السيد فاتك الصافي والسيد محمود الصافي الذين يقول فيهم حجة الاسلام العلامة المرحوم الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي من قصيدة له:
علي واخوان الصفا خير أخوة |
كفاء لداء النازلات الدوا الشافي |
|
هم القوم ما خافوا وباتوا أعزة |
ولكن لدى اللاجي لهم ذل مخواف |
|
عقول لهم سادت وساد نتاجها |
بأفضل تحريك وأصلح ايقاف |
|
فأوعز لرواد اليمامة ناصحاً |
لهم فارجعوا اما رجعتم لعرّاف |
|
بطاء الى غير المعالي وانهم |
الى هامها خفوا بأسرع ايجاف |
|
اذا سئلوا جادوا وان كف سائل |
ندى بدأوا المعروف كما بايكاف |
|
لهم أوجه تزداد سرعة فضلها |
اذا كان سير الطالبين بادلاف |
|
ذوي النسب الوضاح يضمن نوره |
هدى طالب عن خابط خبط إعساف |
|
بدا واضحاً مثل النهار لناظر |
وأغنى كنوز الشمس عن وصاف وصاف |
|
تقى قصر الوقت الطويل عليهمو |
بنائهم سافاً يقوم على ساف |
|
إذا ضاق ذرعاً طارق الليل انست |
بشاشتها عودا وبدأ بارداف |
|
منيرات ما ضاقت طلاقة جودها |
وأزلفت العافين أكرم ازلاف |
|
بروح وريحان مليء فنائهم |
فدفئ لمقرور وبرد لمصطاف | |
على الصدق مجبولون من دون حلفة |
بريئون من همز وغمزة وحلاف |
|
وليست عصاهم من عصي زعانف |
مشعوذة بل من عصا ذات تلقاف |
|
علا مستقيم أوضعوا وتنكبوا |
عن الخطة العوجا وعن زيف زياف |
|
وأكناف مجد وارثين كرامة |
بها ليل سادات وأمجاد أكناف |
|
وبيت قديم المجد عال سنامه |
مع العز مشفوع بعزة أناف |
|
وظل ظليل الفئ أمن لخالفٍ |
وكان لجرح الفقر مسبادة الشافي |
|
حماة رعاة حافلون مأزراً | ملاء لدى الجلى برحمة معطاف |
|
رفاء الى الحسنى يفيض وطابهم |
من المثل العليا بأضعاف أضعاف |
كما وصفهم الشاعر الشهير عبد الرسول البرقعاوي من قصيدة له قوله:
نعم آل الصافي سلالة مجدٍ |
طرفاها الأحفاد والأجواد |
|
هم اذا شئت في الميادين |
فرسان وإن شئت في الندى الأجواد |
|
بـ((محمد رضا)) المعالي توهجْنَ |
وفي جانحيه يضرى الجهاد |
|
و((علي)) بهم تجلّى ويتلوه |
((حسين)) كلاهما أطواد |
|
ثم ((عبد العزيز)) بوح من |
الأخلاق وفيه تفرّدٌ لا يعاد |
|
وكذا ((فاتك)) الفخار |
أمير عربي تزفه الأمجاد |
|
ثم ((محمود)) وهو للسلف الصالح |
بالنبل والفخار امتداد |
|
كان يصطاد كل فرصة خير |
للمعالي فبورك الصياد |
|
فاذا اهتزت الكرامة في أرض |
المروءات فأنتم الأوتاد |
ولو جُمع ما قيل فيهم من عيون الشعر لألف ديواناً ضخماً.
السيد محمد رضا الصافي يتوسط الهيئة العليا لحزب الإخاء الوطني
الجالسون
ضياء يونس نائب الموصل الشيخ محمد رضا الشبيبي السيد محسن ابو طبيخ الحاج عبد الواحد آل سكر السيد محمد رضا الصافي السيد حسين النقيب شعلان آل عطية مجبل الفرعون موجد الشعلان |
الواقفون
السيد كاظم السيد علي السيد سلمان علي جودت الأيوبي محمد زكي باقر الشبيبي عثمان العلوان رشيد عالي الكيلاني ياسين الهاشمي حكمت سليمان عبد الأله حافظ الحاج أحمد ناجي ضياء الحكيم الشيخ محسن الكاظمي |